هل تخبر فتاة عن حقيقة تزوير نسبها وقصة والديها ؟
أخو زوجي عقيم لا ينجب ، تبنى طفلة منذ خمس عشرة سنة ، قال لنا : إن أمها ماتت وهي تلدها ، وإن أباها لا يريدها ، ولزوجة أخي زوجي قريبة ممرضة في نفس المستشفى ، قالت لهم : على البنت فأخذوها .
أنا لا أعرف صحة كلامهم هذا ، بصراحة أشك ؛ لأن من عاداتنا أن الأم عندما تلد تصطحب معها أحدا من أسرتها، حتى بافتراض أن الأم ماتت أثناء الولادة ، لن يستطيع الأب أن يكذب على أهل زوجته ، إلا إذا زور شهادة وفاة للبنت نفسها ، على أي حال أخو زوجي كتبها باسمه ، وأشاع بين الناس أنها ابنته ، وذلك بمباركة والديه .
أوضح له زوجي أن ما عمل حرام ، لكنه غضب ، ولم يفتح زوجي الموضوع معه ثانية ، الآن البنت كبرت ، وسافرت هي وأخو زوجي وزوجته ، حيث نقيم في كندا ، ضميري يؤلمني بشدة كلما نظرت إلى البنت وفكرت في أمها التي ماتت ، إذا صحت روايتهم ، أفكر في عائلتها . ربما كانت أم والدتها على قيد الحياة ، فلم لا يعرفون الحقيقة ، وتكون البنت سلوى لهم بدل ابنتهم التي ماتت . أيضا ألا يمكن لهذه البنت أن تقبل أحدا من محارمها وتتزوجه !
ماذا علي أن أفعل ؟
أخو زوجي هو الوحيد الذي يعرف اسم ومكان الأب ، ولم يعطه لأحد من إخوته ، أنا علاقتي ليست جيدة مع زوجته لأفتح معها الموضوع ، أحس أني شاهدة على جريمة ، في أحسن الأحوال ستكون جريمة تزوير نسب .
سألت أختا تعطي دروسا هنا ، قالت لي : لا أستطيع فعل شيء الآن ، لكن عندما تبلغ البنت مبلغ الزواج يجب أن يعرف الشخص الذي سيتزوجها الحقيقة . وهنا يجب علي أن أتكلم .
فما رأيكم في هذا ؟
الجواب
الحمد لله.
رأينا أن الواجب عليك أداء النصيحة الخالصة لوجه الله تعالى لتلك الفتاة ، وذلك
بإخبارها عن حقيقة نسبها ، وتوضيح الأمر لها ، كي تكون على بينة ، خاصة وأن النسب
له أحكام كثيرة تترتب عليه ، منها الزواج والميراث ونحو ذلك ، فمن أبسط حقوق
الإنسان أن يتعرف على نسبه الحقيقي ، من غير تحريف ولا تزوير .
وقد وصفت الاستمرار في كتمان الأمر عن الفتاة بأنه جريمة ، وهو فعلا كذلك ، فجريمة
تزوير النسب ورد التحذير منها في السنة النبوية ، في أحاديث صحيحة وكثيرة ، منها ما
ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ -: (
أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ، فَلَيْسَتْ
مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ ) .
رواه أبو داود في " السنن " (رقم/2263)، وصححه ابن الملقن في " البدر المنير "
(8/184)، وقال ابن كثير : إسناده جيد . " إرشاد الفقيه " (2/214)، وصححه السيوطي في
" الجامع الصغير "، وغيرهم ، وضعفه بعض علماء الحديث ، انظر " إرواء الغليل "
(8/34). ولكن ثمة أدلة أخرى كثيرة في الصحيحين وغيرهما ، يمكن مراجعتها في الفتوى
رقم : (5201) ، (160909)
.
يقول الشيخ العمراني (ت558هـ) رحمه الله :
" إذا حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم ، حرم ذلك على الرجل أيضا ،
ولأنه لمّا حرُم عليه نفي نسب يتيقنه منه ، حرم عليه استلحاق نسب يتيقن أنه ليس منه
" .
انتهى من " البيان في مذهب الإمام الشافعي " (10/429) .
ويقول المناوي رحمه الله :
" ( فليست من الله في شيء ) أي من الرحمة والعفو ، أو لا علاقة بينها وبينه ، ولا
عندها من حكم الله وأمره ودينه شيء . كأنه قال : هي بريئة من الله في كل أمورها " .
انتهى من " فيض القدير " (3/137) .
والحكمة من ذلك قطع الطريق على كل وسائل الرق والعبودية لغير الله ، واستغلال
الإنسان ، التي تتمثل أول ما تتمثل في نسبة الولد إلى غير أبيه ، كأنك تلغي الهوية
الأولى ، فتنقل الولد إلى هوية جديدة مغايرة ، والهويات والأصول والأعراق والأديان
كلها تصنيفات مؤثرة في حياة الناس ، فكان من أساسيات كرامة الإنسان أن يُحتفظ له
بحقه في معرفة نسبه الأصلي .
فنصيحتنا لك أن تسعي في بيان الأمر للفتاة ، ولو من خلال إرسال الرسائل الخاصة لها
، أو مخاطبتها عبر الإيميل ، ولست مضطرة للكشف عن هويتك أثناء بيان الأمر لها ،
وإنما تخبرينها أنك ناصحة ، وأن الأمر حقيقته كذا وكذا ، مع وصية منك لها بالصبر
وعدم الجزع ، وأن من تظنهم والديها هم في الحقيقة محسنون كرماء ، أحسنوا إليها ،
ولا مانع أن تعاملهم بالإحسان والاحترام كوالديها ، بل هذا هو المطلوب منها ، لكن
عليها أيضا أن تتنبه للأحكام الشرعية المترتبة على كونها أجنبية عنهما .
كما ينبغي عليك مراعاة سن الفتاة وإدراكها لحديثك ومضمونه ، فإن كانت صغيرة لا تقوى
على استيعاب مثل هذه الأمور فلا حرج في تأجيل الأمر إلى سن الرشد الذي تتمكن فيه من
مواجهة الحقيقة .
نسأل الله تعالى لمجتمعات المسلمين الوقاية والسلامة من كل سوء .
والله أعلم .