الحمد لله.
ولعل الأقرب في ذلك : هو
مذهب المالكية ، الذين يقسمون النفقة بحسب يسار الأبناء .
جاء في " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " (2 / 69): " إذا كان
الولد متعددا ، ووجب عليه نفقة أبويه ، أو أحدهما : فإنها توزع على الأولاد حسب
اليسار ، على أرجح الأقوال " انتهى.
وفي " حاشية الصاوي على الشرح الصغير " (1 / 675): " ...... ونفقة الوالدين؛ فإنها
توزع على الأولاد بقدر اليسار ، لا على الرءوس ، ولا بقدر الميراث " انتهى.
وعلى ذلك : فالواجب عليكم أن تتكافلوا جميعا ، كلٌّ بحسب وسعه ويساره ، لكفالة أمكم ، وتوفير ما يلزمها من مسكن ومأكل ومشرب وملبس وعلاج , فإن حق الأم عظيم , ولتعلموا أنكم مهما بذلتم وضحيتم وأعطيتم وأنفقتم على أمكم فلن توفوها بعض حقها عليكم.
وما دمتم قد اتفقتم على أن
تكفلوا أمكم في نفقتها بالتساوي : فالواجب على إخوتك أن ينفذوا هذا الاتفاق ، وأن
يوفوا بهذا العهد .
فإن أخلوا بالاتفاق ، وقمت أنت وحدك بالإنفاق على أمك ، فينظر حينئذ في نيتك :
فإن كنت قد نويت بما أنفقته على أمك التبرع لها به : فلا يحق لك أن ترجع لتطالب
إخوتك بما أنفقته .
وإن كنت أنفقت على أمك بنية الرجوع على إخوتك بنصيبهم من النفقة : فيحق لك حينئذ
الرجوع عليهم .
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (21 / 113): " القيام بعمل نافع للغير بدون
إذنه, وهو نوعان : النوع الأول : أن يأتي بعمل يلزم الغير ، أو يحتاجه ، بدون إذنه
، كمن أنفق عن غيره نفقة واجبة عليه، أو قضى عنه دينا ثابتا في ذمته، ولم ينو
المنفق بذلك التبرع، فإن ما دفعه يكون دينا في ذمة المنفق عنه. وعلى ذلك نص
المالكية والحنابلة خلافا للشافعية والحنفية" انتهى.
وفي هذه الحالة : فإن لم يعطك إخوتك حقك الذي أنفقته على أمك ، فلك أن تأخذه من نصيبهم من التركة قبل أن تسلمها لهم , وسواء في ذلك الذكور والإناث ، لوجوب النفقة على الجميع كما بيناه ,
وهذه مسألة تعرف عند الفقهاء بـ" الظفر بالحق " وهي أنه من كان له حق على إنسان ، وجحد هذا الحق ، وقدر المظلوم أن يأخذ حقه ، فيجوز له أخذه دون زيادة , على الراجح من كلام أهل العلم , وقد سبق الحديث عن هذه المسألة في الفتوى رقم : (27068) , والفتوى رقم : (162369) .
وهذا الجواز في مسألة الظفر مقيد بأمن العاقبة , قال القرطبي رحمه الله في هذه المسألة : " والصحيح جواز ذلك ، كيف ما توصل إلى أخذ حقه ، ما لم يعد سارقا، وهو مذهب الشافعي وحكاه الداودي عن مالك ، وقال به ابن المنذر، واختاره ابن العربي ، وأن ذلك ليس خيانة ، وإنما هو وصول إلى حق" انتهى من " تفسير القرطبي " (2 / 355):
فتأمل قوله - رحمه الله – ( ما لم يعد سارقا) تجد فيه إشارة إلى ما أخبرناك به ، من تقييد هذه الجواز بسلامة العاقبة ، وإلا فلو أن إنسانا ظفر بحقه ، ولكن ترتب على أخذه : أن ينسب إلى السرقة ، ويفضح ، أو يقام عليه الحد : لم يجز له أخذه.
وعليه : فإن ترتب على أخذك لحقك من نصيب إخوتك من التركة ، قبل تسليمها لهم ، مفسدة ظاهرة : فالواجب عليك أن تمتنع عن أخذه ، ثم تنظر بعد ذلك في طريقة أخرى تستوفي بها حقك.
والله أعلم.