الحمد لله.
ففي منهج الإسلام ما هو كفيلٌ بحلِّ جميع مشكلات الجيل المعاصِر ، بل الدُّنيا بأسرها ؛ في جميع الجوانب : السياسيَّة ، والاقتصاديَّة ، والاجتماعيَّة ، وغيرها.
ونحن هنا ننقل لك كلمة أحد
المفكرين الغربيين ؛ يقول : " لو كان محمد صلى الله عليه وسلم حيا : لحل مشاكل
العالم أجمع وهو يحتسي فنجانا من القهوة " ، وقيل : الذي قالها هو الكاتب البريطاني
جورج برنارد شو المتوفى سنة (1950م) .
وليس ذلك ضربا من المبالغة ، كما قد يبدو في حماسة العبارة ، بل هو بيان لطبيعة دور
الرسول في صلاح البشر ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مصلحا يتبنى أفكارا
إصلاحية من عند نفسه ، بل كان نبيا رسولا يتبع ما أنزل إليه من ربه ، وبهذا أمره
الله تعالى : ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) الأنعام/106 .
والله جل جلاله : هو الخالق الرازق ، خلق الخلق ، وهو أعلم بما يصلحهم ، ويستقيم
عليه أمرهم ؛ كما قال تعالى : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ
الْخَبِيرُ ) الملك/14 .
ولينظر اللبيب المنصف ، إلى
حال بلاد العرب في الجاهلية ، وكيف كان أهلها فيها ، ثم لينظر إلى حالهم في الإسلام
، وسوف يرى حجم التغيير الذي أحدثه الرسول صلى الله عليه وسلم في هؤلاء ، ولم يكن
ذلك عن أمره ، ولا عن عبقرية مصلح بشري ؛ إنما كان اتباعا منه ، ودعوة إلى النور
الذي أنزل عليه من ربه .
وإذا كان الله جل جلاله قد قبض نبيه إليه ، وفقدنا شخصه من بين أيدينا ؛ فإن دينه ،
وهديه ، وسيرته : ما زال كل ذلك حيا لم يمت ، جديدا في الناس ، لم يَبْلَ ؛ قد تعهد
الله تعالى بحفظه ، فقال سبحانه وتعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9.
ولا يُخدع الإنسان بمشاكل
العالم الإسلامي اليوم وتخلفه ، فإن ذلك ليس بسبب تمسكهم بالإسلام ، بل بسبب بعدهم
عن الإسلام ، فهم بعيدون عن الإسلام بمقدار تخلفهم وانحطاطهم بين الأمم.
ثانيا :
أما اصطدام الإسلام مع حرية الإنسان ورغباته وتطلعاته ، فليس الأمر كذلك ، والإسلام
يراعي هذا الجانب من النفس البشرية ، جانب الرغبات ، ويقدره قدره ، وينكر على من
يمنع النفس من تلك الرغبات ، ويعاند فطرته ؛ وإن كان يهذبها ، ويشرع لها ما يصونها
، ويحفظ عليها وظيفتها التي خلقها الله لأجلها .
ولذلك لما جاء بعض الصحابة رضي الله عنهم يستأذنون الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمتنعوا عن الدنيا تماما وعن لذاتها ويتفرغوا للعبادة ، نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يأذن لهم في هذا ، لأن هذا ينافي الإسلام ، والإسلام لم يطلب هذا من المسلمين ، وفي هذا يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : " رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا " رواه البخاري (5074) ، ومسلم (1402) . "والتَّبَتُّل : هُوَ تَرْك لَذَّات الدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا , وَالِانْقِطَاع إِلَى اللَّه تَعَالَى بِالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَتِهِ " .
ولما جاء آخرون وأرادوا أن يمنعوا أنفسهم رغبات النفس في الزواج والطعام والشراب والراحة ، فقال أحدهم : " أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، [ يعني : ولا ينام] ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، وَقَالَ آخر : أَنَا لَا آكُلُ اللَّحْمَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : ( أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ! أَمَا وَاللَّهِ ، إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) رواه البخاري (5036) ، ومسلم (1401) .
والإنسان إذا لم يهذب رغباته ، وأطلق لها العنان : لم تقف عند حد ، بل ستهبط بالإنسان إلى درجة هي أحط من درجة البهائم التي تلبي رغباتها في الطعام والشراب والشهوة بلا ضابط ، ولا قانون مضطرد ، ولا خلق قويم ، ولذلك وصف الله تعالى الكافرين المعرضين عن هديه بأنهم أضل من الأنعام ، فقال سبحانه : (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179، وقال تعالى : ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) الفرقان/44، وقال سبحانه : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) محمد/12.
ولقد رأينا ، ورأى الناس ،
كيف بلغ الحال بذلك التسيب ، والسعار الشهواني في الغرب ، ورأينا أن القوم لم
يكتفوا بغض النظر عن الفساد الجنسي ، والشذوذ ، ولم يسمحوا به ، فقط ؛ بل صار زواج
المثليِّين : مقبولا ، مقننا في بعض هذه الدول ، تعترف به الكنيسة نفسها !!
إن رغبات الإنسان كثيرة : المال ، والجاه ، والشهوة ، والترف ، واللهو ، والتمتع
بكل ما حوله ، والتطلع إلى معرفة أسرار الكون والقوى الكامنة فيه ، والتطلع إلى
تيسير الحياة بالاختراعات والاكتشافات ، والتطلع إلى تعمير الأرض ، التطلع إلى
التغلب على جميع مشكلاته التي يواجهها في حياته ... إلخ .
فلماذا تقف النظرة القاصرة عند رغبة واحدة ، هي الرغبة الجنسية ..
ثم تقف عند هدف واحد لهذه النظرة المريضة : أن يطلق لها العنان ، كيفما تشاء ؟!
فمتى كان الإنسان إنسانا ، لأجل ذلك السعار ، والانحطاط ؟!
ولمَ لا ينظر إلى حكم تهذيبها ، وتأديبها ، والمحافظة عليها ، والمحافظة على الناس
منها ؟!
إن هدي الإسلام في ذلك ، هو
هديه في شأنه كله : وسط ؛ فلا إفراط ، ولا تفريط ؛ لا يصطدم مع هذه الرغبات ، بل
يهذبها ، ويسمح لها بالقدر الذي لا يسيء إلى الإنسان الذي كرمه الله ، بل يرقيه في
سلم المخلوقات حتى يكون قريبا من الملائكة الذين خلقهم الله بلا رغبات ولا شهوات.
نسأل الله أن يكون فيما كتبناه كفاية ، مع أن الموضوع يحتاج إلى بسط أكثر وأكثر ، غير أن هذا هو الذي يتناسب مع منهج الموقع وطريقته .
ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا ، وأن يقر أعيننا بذلك ، وأن يشفي صدورنا من أعداء هذا الدين .
والله أعلم .