الحمد لله.
هذه من المشاكل المتكررة ، فأنت لست وحدك الذي يعاني منها ، وأصل المشكلة في نظري هو عدم تمكين الزوج من رؤية المخطوبة الرؤية الشرعية الكاملة التي يجلس معها - بدون خلوة - ويملأ عينه منها ، بل حتى ربما يطلب إعادة الرؤية مرّة أخرى ، وفي وقت آخر.
نعم ، أنت أخطأت كثيراً حينما وجدت الشعور بالنفرة من هذه الفتاة وأحسست بها أيام الخطوبة فأتممت الزواج ، وكان الأجدر بك هو عدم المخاطرة بمثل هذا الأمر ، إذ المقدم على الزواج ينبغي أن يكون بكامل التهيؤ له ، وليس التردد بالرغبة ، فكيف بمن كانت تخالجه مشاعر عدم الرضى كما في حالتك .
المشكلة الحقيقية لديك هي أن هذه الفتاة تحبك وتقدرك ، وتقوم بكامل حقوقك عليها ، بل وأكثر ، ثم هي أيضاً قد حملت منك ، ولو كان الأمر بعكس ذلك ، لما ترددت بنصحك بالانفصال عنها .
والأَمَرُّ من ذلك وأعمق حزناً أنها تحولت حياتها إلى جحيم لا يطاق ، فهي لا تتوانى عن البكاء لما آل إليه حالها ، وكيف تحطمت آمالها بالظفر بزوج تبادله الحب والسعادة .
نعم ، إنها سنة الله ، وحقيقة موجودة يجب أن نعترف بها ، ونتعايش معها ، وهي قضية عدم التوفيق ، ووجود الطلاق ، وتحطم الحياة في نظر أحد الزوجين أو كليهما ، ولا يمكن التعايش مع مثل هذه الآلام إلا باستشعار الصبر والاحتساب من الله أولاً ، ثم الوقوف على أسباب الفشل ثانياً . ولذلك وبما أنك قد كان منك نصيب من الخطأ فأنت يجب أن تتحمل جزءاً ولو يسيراً من عواقب هذا الأمر ، والذي يمكن أن يتحدد في ثلاث اتجاهات هي :
أولاً : محاولة التعايش مع هذه الفتاة والتحمل قدر الاستطاعة ، والانتظار على الأقل إلى حين قدوم المولود ، فلربما تغيرت حالك وتبدل بغضك إلى حب .
ثانياً : إن كانت ظروفك تسمح لك بإبقائها مع النظر في الزواج من امرأة أخرى ، تملأ عينك، وتُبْقِي بها على زوجتك الأولى ، وترعى معها أطفالك ، وتبعدهم عن آلام الانفصال والطلاق، فهذا أمر أيضاً يجدر بك التفكير فيه ملياًً .
الأمر الأخير : إذا لم تصلح معك الحلول السابقة ، بل عجزت ، وزاد بغضك وانزعاجك من البقاء معها، فقد شرع الطلاق لمثل هذه الحال .
وكونها تتجرع مرارة الطلاق أيسر لها كثيراً من العذاب المستمر معك ، وربما تجد الزوج الذي تجد معه سعادتها ، وأنت أيضاً ربما تجد الزوجة التي تجد معها سعادتك .
فيكون الطلاق وإن كان بغيضاً هو الحل والعلاج إذا تعذرت العشرة الحسنة بين الزوجين .
حاول التبصر في هذه الأمور الثلاثة ، والتفكير فيها ملياً ، وعدم التعجل في الأمر ، وعليك باللجوء إلى المولى عز وجل بأن يفتح عليك ويلهمك رشدك في هذا الأمر فهو قريب من عباده الصادقين. أعانك الله ووفقك .
د . محمد بن عبد الرحمن السعوي
ونذكرك بقول الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء/19 .
وقوله تعالى : ( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) البقرة/216 .
وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم (1469) .
(لا يفرك) أي لا يبغض .
والمعنى : أنه لا ينبغي للمؤمن أن يبغض مؤمنة ، لأنه إن وجد فيها خلقا سيئاً يكرهها بسببه ، فسيجد فيها خلقا آخر محمودا يحبها بسببه ككونها عفيفة أو رفيقة به أو مطيعة . . . أو غير ذلك من الأخلاق الحسنة .
وهذا إذا كان فيها من الأخلاق ما لا يرضاه ، فكيف إذا كانت قائمة بحقه على أتم وجه ؟!.