الحمد لله.
أولا:
الأصل عند اختلاف المتعاقدين أو الشريكين أنهما يرجعان إلى الشروط المتفق عليها
في العقد بينهما ، ما دامت لا تخالف الشرع ؛ لقول الله تعالى : ( يا أيها الذين
آمنوا أوفوا بالعقود) المائدة/1 ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : ( الْمُسْلِمُونَ
عَلَى شُرُوطِهِمْ ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا ، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا )
رواه الترمذي (1352) ، وأبو داود (3594) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وعلى هذا : إن كان بينكم اتفاق على الخصم من الأرباح في حال غياب أحد الشريكين ،
فلا إشكال في جواز الخصم .
وكذلك إذا كان المعمول به في الشركات المناظرة لشركتكم : أن من غاب من الشركاء فإنه
يخصم عليه ، وكان ذلك معروفا لك ولشريكك : فلا بأس بالخصم عليه ؛ لأن القاعدة
الفقهية أن " الْمَعْرُوفَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا " .
ينظر : " غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر "(4/ 206) .
ثانيا:
إذا لم يكن هناك اتفاق منصوص عليه في مثل هذه الحال ، ولم يكن لكم عرف مطرد فيها :
فلا يخلو حال المتغيب من الشريكين من أحد احتماليين:
الحال الأولى :
أن يكون غيابه لعذر ، كمرض ونحوه من الضرورات ، فلا يخصم عليه من الأرباح ، حينئذ ؛
ولكن من حقك أن تلزمه أن ينيب أحدا ـ من ماله الخاص ـ يقوم بعمله ، دون أن تتحمل
الشركة تكاليف ذلك الوكيل ، فإن أبى فلك فسخ الشركة ؛ لأن الاتفاق أن تعملا جميعا ،
فإذا لم يلتزم : فلك الحق في الفسخ .
الحال الثانية :
أن يكون غيابه لغير عذر ، بل تهاونا ، أو لسبب يمكنه تلافيه ، ففي هذه الحال اختلف
العلماء - رحمهم الله - : هل يستحق الشريك كامل ربحه ، أم لا ؟
فذهب بعض أهل العلم إلى أن الشريك يستحق كامل نصيبه من الربح ، بحسب ما هو متفق
عليه في العقد ؛ اكتفاء بكون الشريك الآخر مستحقا لفسخ العقد عند الإخلال بشرط
العمل فيه ، فإذا لم يفسخ حتى ظهر الربح : فهو بينهما على ما اتفقا .
جاء في " مجلة الأحكام العدلية " : ( الْمَادَّةُ / 1349 ) "الِاسْتِحْقَاقُ
لِلرِّبْحِ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى الشَّرْطِ الَّذِي أُورِدَ فِي عَقْدِ
الشَّرِكَةِ , وَلَيْسَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَمَلِ الَّذِي عُمِلَ , فَعَلَيْهِ :
لَوْ لَمْ يَعْمَلْ الشَّرِيكُ الْمَشْرُوطُ عَمَلُهُ ، فَيُعَدُّ كَأَنَّهُ عَمِلَ
, مَثَلًا إذَا شُرِطَ عَمَلُ الشَّرِيكَيْنِ الْمُشْتَرِكَيْنِ فِي شَرِكَةٍ
صَحِيحَةٍ ، وَعَمِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ ، لِعُذْرٍ أَوْ
لِغَيْرِ عُذْرٍ : فَبِمَا أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِبَعْضٍ ، فَبِعَمَلِ شَرِيكِهِ
يُعَدُّ كَأَنَّهُ عَمِلَ أَيْضًا ، وَيُقْسَمُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى
الْوَجْهِ الَّذِي شَرَطَاهُ " .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"وإن عمل أحدهما دون صاحبه ، فالكسب بينهما ... وسواء ترك العمل لمرض أو غيره ، فإن
طالب أحدهما الآخر أن يعمل معه ، أو يقيم مقامه من يعمل ، فله ذلك . فإن امتنع ،
فللآخر الفسخ ." انتهى من "المغني" (5/7) .
والقول الثاني في المسألة :
أن الشريك لا يستحق كامل نصيبه من الربح لإخلاله باتفاق العمل .
قال المرداوي رحمه الله :
" مفهوم قوله ( وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما ) ، أنه لو ترك العمل لغير عذر لا
يكون الكسب بينهما . وهو أحد الوجهين [أي : للحنابلة]. وهو احتمال المصنف[أي : ابن
قدامة] ." انتهى من "الإنصاف" (5/461) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" القول الراجح في هذه المسألة أنه إذا ترك العمل لغير عذر، فإنه لا يستحق كسب ذلك
الزمن الذي ترك فيه العمل بغير عذر." انتهى من " الشرح الممتع " (9 / 436) .
وعلى كل حال : فسواء كان تغيبه بعذر أو بغير عذر فلك الحق في فسخ العقد السابق ، وإعادة الاتفاق بحيث تنصون فيه على كيفية توزيع الأرباح عند غياب أحد الشريكين ، وهذا أحوط لكم ، وأبعد عن النزاع ، أو تشكك أحد الشريكين في ذمة صاحبه .
والله أعلم .