الحمد لله.
لكن يبقى هناك إشكال آخر ، وهو أنه إن كانت أمه قد وهبته هذا البيت هبة صحيحة ،
وكان له إخوة أو أخوات ، فكان يجب على الأم أن تهب لإخوته مثل ما وهبت له ، فتكون
بذلك قد عدلت بين أولادها في العطية ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما
رواه البخاري (2587) ومسلم (1623) عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا مرفوعا : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) . قال
علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : " لا يجوز للوالدين التفضيل في العطية بين أولادهما
؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ، ولأن ذلك
يسبب الحسد والحقد والبغضاء والشحناء والقطيعة بين الإخوة ، وكل ذلك يتنافى مع
مقاصد الشريعة المطهرة التي جاءت بالحث على التآلف والترابط والتواد والتعاطف بين
الأقارب والأرحام " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16 / 225). فإذا كان له إخوة
، ولم تهب لهم أمهم كما وهبت له : فقد اختلف أهل العلم في هذه الهبة: فمنهم من ذهب
إلى أنها نافذة ماضية ليس لباقي الورثة أن يستردها ، وبعضهم ذهب إلى وجوب إرجاعها
بحيث تقسم بين الورثة حسب ما شرعه الله سبحانه .
وقد حكى ابن قدامة - رحمه الله تعالى - هذا الخلاف فقال في المغني (6 / 60): " إذا
فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية، ثم مات قبل أن يسترده، ثبت ذلك
للموهوب له، ولزم، وليس لبقية الورثة الرجوع. هذا المنصوص عن أحمد، في رواية محمد
بن الحكم، والميموني، وهو اختيار الخلال، وصاحبه أبي بكر. وبه قال مالك، والشافعي،
وأصحاب الرأي، وأكثر أهل العلم.
وفيه رواية أخرى عن أحمد : أن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه. اختاره ابن بطة
وأبو حفص العكبريان. وهو قول عروة بن الزبير، وإسحاق. وقال أحمد: عروة قد روى
الأحاديث الثلاثة؛ حديث عائشة، وحديث عمر، وحديث عثمان، وتركها وذهب إلى حديث النبي
- صلى الله عليه وسلم - يرد في حياة الرجل وبعد موته ، وهذا قول إسحاق، إلا أنه
قال: إذا مات الرجل فهو ميراث بينهم، لا يسع أن ينتفع أحد مما أعطي دون إخوته
وأخواته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى ذلك جورا بقوله: لا تشهدني على
جور . والجور حرام لا يحل للفاعل فعله، ولا للمعطى تناوله. والموت لا يغيره عن
كونه جورا حراما، فيجب رده، ولأن أبا بكر وعمر أمرا قيس بن سعد، أن يرد قسمة أبيه
حين وُلِدَ له وَلَدٌ، ولم يكن عَلِمَ به، ولا أعطاه شيئا، وكان ذلك بعد موت سعد "
انتهى .
والقول الثاني ، بوجوب رد هذا المال على الورثة حتى يقسم بين الجميع ، هو اختيار
شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال رحمه الله " وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ
أَنَّ هَذَا الَّذِي خَصَّ بَنَاتَهُ بِالْعَطِيَّةِ دُونَ حَمْلِهِ – الحمل الذي
في بطن امرأته - يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ كَمَا أَمَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَرُدَّهُ :
رُدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا؛ طَاعَةً لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ ، وَاتِّبَاعًا لِلْعَدْلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ؛ وَاقْتِدَاءً
بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَلَا يَحِلُّ لِلَّذِي فُضِّلَ
أَنْ يَأْخُذَ الْفَضْلَ؛ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاسِمَ إخْوَتَهُ فِي جَمِيعِ
الْمَالِ بِالْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ " انتهى من مجموع الفتاوى (31 /
277) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى " والصواب: أنه إذا مات وجب على المفَضَّل
أن يرد ما فُضِّل به في التركة، فإن لم يفعل خُصِم من نصيبه إن كان له نصيب؛ لأنه
لما وجب على الأب الذي مات أن يسوِّي، فمات قبل أن يفعل صار كالمدين، والدَّيْن يجب
أن يؤدَّى، وعلى هذا نقول للمفضَّل: إن كنت تريد بر والدك فرد ما أعطاك في التركة"
انتهى من الشرح الممتع على زاد المستقنع (11 / 85) .