يسأل عن حكم حفظ المعلقات العشر
ما حكم حفظ المعلقات العشر من الناحية الشرعية ، خصوصا معلقة امرئ القيس , حيث إن المعلقات تحتوى على الغزل الصريح ، والهجاء ، والفخر ، ومدح الخمر ، ونحوه من المخالفات الشرعية ، مع العلم بأنني أحفظها لتكون عندي حصيلة وثروة لغوية تعينني في طلب العلم ، وأيضا قد سمعت أن بعض المشايخ يحفظ المعلقات ؟
الجواب
الحمد لله.
يجب أن نفرق بين قول الشعر المذموم ، وبين حفظه وقراءته ودراسته ، فالأول هو
المذموم الذي وصفه الله عز وجل في سورة الشعراء بقوله : ( وَالشُّعَرَاءُ
يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ . أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ .
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )
الشعراء/224-227.
أما الحفظ والقراءة والدرس فلها أغراض كثيرة ، والحكم الشرعي يتبع تلك الأغراض :
فإن كان المقصود هو الاستعانة بالحفظ والمطالعة على الوقوع في المنكر ، والتشبيب
بنساء المسلمين ، أو التصيد في الفتنة : فيحرم هذا الحفظ والدرس من غير تردد ، كما
حرم أصلا قول الشعر لهذه الأغراض .
وعليه يحمل حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ
قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا ) رواه البخاري (6155) ،
ومسلم (2257) .
أما إذا كان المقصود هو العلم بالأدب العربي ، أو الوقوف على التاريخ ، أو زيادة
الحصيلة اللغوية ، أو دراسة المضمون البلاغي والتقويم اللساني ، ونحو ذلك من
الأغراض النافعة أو المباحة في أقل تقدير : فلا حرج حينئذ في حفظ المعلقات والأشعار
وغيرها من المرويات .
بل كان أئمة الإسلام أئمة أيضا في الشعر واللغة والأدب ، كما نقل النووي في " تهذيب
الأسماء واللغات " (1/ 50) قال : " قال الأصمعي : صححت أشعار الهذليين على شاب من
قريش بمكة يقال له : محمد ابن إدريس ( الشافعي ) . وقال محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم : سمعت الشافعى يقول : أروي لثلاثمائة شاعر مجنون . وقال الزبير بن بكار :
أخذت شعر هذيل ووقائعها وأيامها من عمي مصعب ، وقال : أخذتها من الشافعى حفظًا "
انتهى.
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" وأما الخبر – يعني حديث أبي هريرة السابق -؛ فقال أبو عبيد : معناه أن يغلب عليه
الشعر حتى يشغله عن القرآن والفقه .
وقيل : المراد به ما كان هجاء وفحشا ، فما كان من الشعر يتضمن هجو المسلمين ،
والقدح في أعراضهم ، أو التشبب بامرأة بعينها ، والإفراط في وصفها ، فذكر أصحابنا
أنه محرم .
وهذا إن أريد به أنه محرم على قائله ، فهو صحيح .
وأما على راويه فلا يصح ؛ فإن المغازي تروى فيها قصائد الكفار الذين هجوا بها أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لا ينكر ذلك أحد .
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذِنَ في الشعر الذي تقاولت به الشعراء في يوم
بدر وأحد وغيرهما ، إلا قصيدة أمية بن أبي الصلت الحائية .
وكذلك يروى شعر قيس بن الخطيم ، في التشبيب بعمرة بنت رواحة ، أخت عبد الله بن
رواحة ، وأم النعمان بن بشير .
وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم قصيدة كعب بن زهير ، وفيها التشبيب بسعاد .
ولم يزل الناس يروون أمثال هذا ، ولا ينكر .
وروينا أن النعمان بن بشير دخل مجلسا فيه رجل يغنيهم بقصيدة قيس بن الخطيم ، فلما
دخل النعمان سكَّتوه مِن قِبَل أن فيها ذكر أمه ، فقال النعمان : دعوه ، فإنه لم
يقل بأسا " .
انتهى من " المغني " (10/159-160) .
وللمزيد يمكنكم مراجعة الفتوى رقم : (118901) .
والله أعلم .