الحمد لله.
فإن مما لا خلاف فيه بين أهل العلم أن تلقيح بويضة امرأة بمني رجل ليس زوجها ، واستبدال مني الإنسان بغيره ، أو خلطه به ، والتعامل مع تجار النطف والأبضاع ، وإنشاء مستودعات تخزن فيها نطف رجال لهم صفات معينة ، لتلقيح نساء لهن صفات معينة ، وكذا إنشاء بنوك المني ، وبنوك الأجنة المجمدة ، كل ذلك محرم بالإجماع ، وهو عبث يؤدي إلى اختلاط الأنساب ، والإخلال بنظام الأسرة الذي أراده الله عز وجل .
إضافة إلى أن فكرة بيع المني
في حد ذاتها - بصرف النظر عما يترتب عليها من مفاسد - مما منعه الإسلام ، فقد أخرج
البخاري ( 2284 ) ، وأبو داود ( 3429 ) وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عَسْب الفحل " ، وعسب الفحل : هو " الكراء
الذي يؤخذ على ضراب الفحل " انتهى من " عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (12/105) .
واستنادا على هذا الحديث منع العلماء من أخذ الأجرة على ماء الفحل ، قال الخطابي :
" فعلى الناس أن لا يتمانعوا منه . فأما أخذ الأجرة عليه فمحرم وفيه قبح وترك مروءة
" انتهى من " معالم السنن " (3/105) .
فإذا كان هذا في ماء البهائم الذي لا يترتب على بيعه مفسدة ، فكيف يكون الأمر في بيع ماء الإنسان الذي يترتب على بيعه ، بل والتبرع به : جملة من المفاسد والشرور ؟ .
يقول الشيخ بكر عبد الله أبو
زيد رحمه الله في كتابه " فقه النوازل " (1/272) : " وقد أثبت الواقع الأثيم
المطالبة بوجود بنوك المني ( مراكز لحفظ المني ) ، وهذه سوق جديدة للمتاجرة بالنطف
، ووجود طراز جديد لاسترقاق بني الإنسان ، فأين هذا من تحطُّطِهم على الإسلام ببيع
الرقيق . وعند قيام تلك : فإن عامل الحصول على المال - ونحن في عصر المادة
والاستمتاع بالخلاق - سيدفع من لا خلاق له بالتغرير بالرجل العقيم : بأن ماءه يصلح
للإنجاب ، فيأتي محله بماء رجل آخر سليم من العقم " انتهى .
بل قد ذكرت النيوزويك (1985/3/18) : " أن بنوك المنى تستخدم منى رجل واحد لتلقيح مائة امرأة …. وهناك احتمال كما يقول الدكتور جورجيس دافيد رئيس أكبر بنك للمني في فرنسا : " كلما زاد عدد الذين يلقحون من النساء بماء رجل واحد كلما زاد الاحتمال بأن تلقح أمه أو أخته أو عمته أو خالته أو ابنته بمائه " انتهى من " مجلة مجمع الفقه الإسلامي " .
أما بخصوص نسب هؤلاء الأشخاص الذين تخلقوا من مائك : فليس بينك وبينهم علاقة ولا يلتحقون بنسبك , ولا حقوق لهم عليك ؛ لأن هذا الماء هدر كماء الزنا ، فقد نصَّ العلماء على أن الماء الذي يخرج من الإنسان بطريق غير مباحة كالاستمناء ونحوه هدر ، إذا استدخلته المرأة الأجنبية فلا يترتب عليه نسب ، جاء في " حاشية البجيرمي على الخطيب " (4/46) : " وليس من الذي خرج على وجه الحل : منيّه الذي أخرجه بيده لخوف الزنا ؛ لأن عدم الإثم فيه لعارض ، فلا نظر إليه , فلا يلزم بسبب استدخاله العدة ، ولا يثبت به النسب " انتهى .
لكن هؤلاء الأولاد الذين تخلقوا من مائك : لهم حكم أولاد الزنا ، من حيث حرمة التزوج بالبنات ، أو ببنات الذكور منهم ، قال ابن قدامة رحمه الله : " ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا ، وأخته ، وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه وأخته من الزنا ، وهو قول عامة الفقهاء " انتهى من " المغني " (7/91) .
والمسألة محل خلاف بين أهل العلم ، لكن هذا هو مذهب الجمهور ، وهو الراجح ، بل الصحيح .
ولا يعني هذا أنك تصير مَحْرما لهؤلاء النسوة ، بحيث يحل لك النظر لهن والخلوة بهن ، فإن التحريم في النكاح ، لا يلزم منه دائما المحرمية المبيحة للخلوة ونحوها ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (105913) .
والله أعلم .