الحمد لله.
يقول الشاطبي رحمه الله :
" الضرر والضرار مبثوث منعه في الشريعة كلها ، في وقائع جزئيات وقواعد كليات ،
كقوله تعالى : ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) ، ( ولا تضاروهن ) ، ومنه النهي عن
التعدي على النفوس والأموال والأعراض ، وعن الغصب والظلم ، وكل ما هو في المعنى
إضرار أو ضرار . ويدخل تحته الجناية على النفس أو العقل أو النسل أو المال ، فهو
معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك " انتهى من " الموافقات "
(3/16) .
ويقول الشيخ ابن باز رحمه
الله :
" المعنى : كل شيء يضر بالشخص في دينه أو دنياه : محرم عليه تعاطيه ؛ من سم أو دخان
أو غيرهما مما يضره ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ
إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) " انتهى
من " مجموع الفتاوى " (6/23-24) .
وننقل هنا قرار " المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة
المكرمة " الذي يتعلق بحكم " الملاكمة "، وهي جزء من رياضة ( يوسيكان بودو )، ورقم
القرار هو 50 (3/10) ، بشأن موضوع ( الملاكمة والمصارعة الحرة ومصارعة الثيران )،
وكان قد صدر في العام (1408هـ)، فكان مما جاء فيه :
" يرى مجلس المجمع بالإجماع أن الملاكمة المذكورة ، التي أصبحت تمارس فعلاً في
حلبات الرياضة والمسابقة في بلادنا اليوم : هي ممارسة محرمة في الشريعة الإسلامية ؛
لأنها تقوم على أساس استباحة إيذاء كل من المتغالبين للآخر ، إيذاء بالغًا في جسمه
، قد يصل به إلى العمى ، أو التلف الحاد ، أو المزمن ، في المخ ، أو إلى الكسور
البليغة ، أو إلى الموت ، دون مسئولية على الضارب ، مع فرح الجمهور المؤيد للمنتصر
، والابتهاج بما حصل للآخر من الأذى ، وهو عمل محرم مرفوض كليًّا وجزئيًّا في حكم
الإسلام ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )
[البقرة:195] ، وقوله تعالى : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِكُمْ رَحِيمًا ) [النساء:29] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضَرَرَ ولا
ضِرَارَ ). على ذلك فقد نص فقهاء الشريعة على أن من أباح دمه لآخر فقال له : اقتلني
. أنه لا يجوز له قتله ، ولو فعل كان مسئولاً ومستحقًّا للعقاب .
وبناء على ذلك يقرر المجمع أن هذه الملاكمة لا يجوز أن تسمى رياضة بدنية ، ولا تجوز
ممارستها ؛ لأن مفهوم الرياضة يقوم على أساس التمرين دون إيذاء أو ضرر ، ويجب أن
تحذف من برامج الرياضة المحلية ، ومن المشاركات فيها في المباريات العالمية ، كما
يقرر المجلس عدم جواز عرضها في البرامج التلفازية ، كيلا تتعلم الناشئة هذا العمل
السيئ وتحاول تقليده .
وأما المصارعة الحرة التي يستبيح فيها كل من المتصارعين إيذاء الآخر والإضرار به ،
فإن المجلس يرى فيها عملاً مشابهًا تمام المشابهة للملاكمة المذكورة وإن اختلفت
الصورة ؛ لأن جميع المحاذير الشرعية التي أشير إليها في الملاكمة موجودة في
المصارعة الحرة التي تجري على طريقة المبارزة ، وتأخذ حكمها في التحريم .
رئيس مجلس المجمع الفقهي : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس : د.عبد الله عمر نصيف
الأعضاء: محمد بن جبير ، د.بكر عبد الله أبو زيد ، عبد الله العبد الرحمن البسام ،
صالح بن فوزان بن عبد الله ، محمد بن عبد الله بن سهيل ، مصطفى أحمد الزرقا ، محمد
محمود الصواف ، أبو الحسن علي الحسني الندوي (بدون توقيع) ، محمد رشيد راغب قباني ،
محمد الشاذلي النيفر ، أبو بكر جومي، د.أحمد فهمي أبو سنه ، محمد الحبيب بن الخوجه
، محمد سالم بن عبد الودود .
مقرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي : د. طلال عمر بافقيه " .
انتهى من كتاب " قرارات المجمع الفقهي " (ص/216-218) .
وانظر للمزيد في موقعنا الفتاوى الآتية : (10238)
، (10427) ، (127607)
.
والله أعلم .