الحمد لله.
قال القرطبي رحمه الله تعالى :
" قوله تعالى : (الصَّلَاةَ ) اختلف العلماء في المراد بالصلاة هنا ، فقالت طائفة: هي العبادة المعروفة نفسها ؛ وهو قول أبي حنيفة ؛ ولذلك قال ( حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ )، وقالت طائفة: المراد مواضع الصلاة ، وهو قول الشافعي ، فحذف المضاف ، وقد قال تعالى ( لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ ) الحج (40) ، فسمى مواضع الصلاة صلاة ، ويدل على هذا التأويل قوله تعالى ( وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ) ، وهذا يقتضي جوازَ العُبُورِ للجُنُب في المسجد لا الصلاة فيه ... وقالت طائفة : المراد الموضع والصلاة معا ؛ لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ، ولا يصلون إلا مجتمعين ، فكانا متلازمين " .
انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (6/333) .
ويقوي ذلك : أن دخوله إلى المسجد لا تتحصل منه فائدة ؛ فهو منهي عن الصلاة في حالة سكره بنص الآية السابقة ، كما أن في دخوله قد تحدث عدة مفاسد :
أولا : غالبا ما يتفوه السّكران بكلام غير لائق .
ثانيا: كثيرا ما يحصل منه من الأذى والقذر ، وكريه الرائحة ، ومستهجن الأفعال : ما يجب صون المسجد عن مثله .
ثالثا : أنه كثيرا ما يشغل أهل المسجد عن عباداتهم ، بالأقوال والتصرفات التي تصدر منه . قال الله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) النور / 36 .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/62) : " أي : أمر الله تعالى برفعها ، أي: بتطهيرها من الدنس واللغو ، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ) قال: نهى الله سبحانه عن اللغو فيها.
وكذا قال عكرمة ، وأبو صالح ، والضحاك ، ونافع بن جبير ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة ، وسفيان بن حسين ، وغيرهم من علماء المفسرين " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" صلاة السكران الذي لا يعلم ما يقول لا تجوز باتفاق ، بل ولا يجوز أن يمكن من دخول المسجد لهذه الآية وغيرها ، فإنّ النهي عن قربان الصلاة ، وقربان مواضع الصلاة ، والله أعلم " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22/6) .
وقال صاحب " مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (2/256) : " ( ... منع نحو سكران ) كمجنون ( منه ) أي : المسجد ، صيانة له " انتهى .
لكن مما يُنصح به ؛ أن يُستعمل اللين والرفق معه عند إخراجه من المسجد ، صيانة للمسجد من اللغو فيه ، ودفعا للشقاق واللغط بين المسلمين في المسجد ، ولعله أن يتألف قلبه ، ويألف المسجد ، ويستحيي من قبيح فعله ، إذا صحا ، وعلم رفق الناس به ، رغم ما كان عليه من حال مرذول .
والله أعلم .