الحمد لله.
تصالح البائع والمشتري على الفسخ هو ما يسميه الفقهاء رحمهم الله بـ " الإقالة " ؛
حيث إن البائع تنازل عن حقه في إمضاء البيع مع المطالبة بالثمن الذي صار دينا في
ذمة المشتري عن طريق القضاء ، إلى قبول الفسخ ، ويعرف الفقهاء الإقالة بأنها:
" رفع العقد ، وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين " .
انتهى من " الموسوعة الفقهية الكويتية " (5/ 324) .
ولكن الإقالة في السؤال ليست مقابل التنازل عن الثمن فقط – كما هي في الأصل - بل مع
تعويض عن مدة بقاء السلعة لدى المشتري ؛ فتكون من الإقالة مع الزيادة عن الثمن
الأول .
وللعلماء رحمهم الله خلاف في هذه المسألة :
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (4/ 93) :
" ولا يجوز إلا بمثل الثمن ، سواء قلنا: هي فسخ أو بيع ؛ لأنها خصت بمثل الثمن ،
كالتولية. وفيه وجه آخر ، أنها تجوز بأكثر من الثمن الأول ، وأقل منه إذا قلنا:
إنها بيع كسائر البياعات " .
وفي " الاختيار لتعليل المختار " (2/ 11) : " وعند أبي يوسف الإقالة جائزة بما سميا
كالبيع الجديد " .
وفي " شرح مختصر خليل " للخرشي المالكي (5/ 104) :
"إذَا بِيعَ الْحِمَارُ عَلَى التَّعْجِيلِ بِذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ وَلَمْ
يُقْبَضْ حَتَّى وَقَعَ التَّقَايُلُ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ
الْمَزِيدُ عَيْنًا ، أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، إنْ عَجَّلَ الْمَزِيدَ
مَعَ الْحِمَارِ" .
وقد حكى ابن رجب رحمه الله روايتين عن الإمام أحمد في كون الإقالة فسخا أم بيعا ثم
قال عن مسألة الإقالة بغير الثمن الأول :
" وَإِنْ قُلْنَا : هِيَ بَيْعٌ فَوَجْهَانِ ، حَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ
بَعْدَهُ :
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ كَسَائِرِ
الْبُيُوعِ.
وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ ،
وَصَحَّحَهُ السَّامِرِيُّ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقَالَةِ : رَدُّ الْأَمْرِ
إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، وَرُجُوعُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى مَالِهِ ؛ فَلَمْ يَجُزْ
بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا : فَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ "
انتهى من " القواعد " لابن رجب (ص: 380) .
وقال ابن حزم رحمه الله في " المحلى" (7/ 487):
"وأما من رآها بيعا فإنه يجيزها بأكثر مما وقع به البيع أولا ، وبأقل ، وبغير ما
وقع به البيع ، وحالا ، وفي الذمة ، وإلى أجل فيما يجوز فيه الأجل ، وبهذا نأخذ " .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"القول الراجح أنها – أي الإقالة - تجوز بأقل وأكثر إذا كان من جنس الثمن؛ لأن
محذور الربا في هذا بعيد ، فليست كمسألة العينة ؛ لأن مسألة العينة محذور الربا
فيها قريب ، أما هذه فبعيد ، ..
وهذا هو القول الراجح ، وهو الذي عليه عمل الناس ، وهو من مصلحة الجميع ؛ وذلك لأن
البائع إذا أقال المشتري ، فإن الناس سوف يتكلمون ويقولون : لولا أن السلعة فيها
عيب ما ردها المشتري ، فيأخذ البائع عوضاً زائداً على الثمن من أجل جبر هذا النقص "
.
انتهى من " الشرح الممتع " (8/ 389) .
وعلى هذا : فلا بأس بالإقالة
بثمن مغاير للثمن الأول ، سواء كان أقل أو أكثر .
مع الانتباه إلى أنه إذا قدر أن السلعة قد حدث فيها عيب أو نقص أو تغير السوق ، وهي
في يد المشتري ، وردها إلى البائع : فلا بأس ببذل العوض المقابل لما حدث من نقص ،
حتى عند بعض القائلين بالمنع من الزيادة .
قال في "مجمع الأنهر " (2/ 73) :
" (وإن تعيب) المبيع عند المشتري ، وشرط [ أي : البائع] أقل من الثمن الأول ، بناء
على العيب : ( صح الشرط اتفاقا ) ؛ فيجوز الإقالة بأقل من الثمن الأول ؛ فيجعل الحط
بإزاء ما فات بالعيب " .
وقال ابن رجب رحمه الله :
"إذَا تَسَعَّرَتْ السُّوقُ : جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِنَقْصٍ فِي مُقَابَلَةِ
نَقْصِ السِّعْرِ، وَكَذَا لَوْ تَغَيَّرَتْ صِفَةُ السِّلْعَةِ، وَأَوْلَى " انتهى
من "القواعد" (ص: 380) .
والله أعلم .