الحمد لله.
ثانيا :
القول : إن أصل كلمة " فرعون " يوناني أو غيره لا يعتبر طعنا في القرآن الكريم ؛
والمعهود في تفسير مثل ذلك : أن هذا الاسم انتشر بين الأمم ، ووصل إلى العرب في
الجاهلية ، وعرفوه وعرفوا المقصود منه ، فلمّا نزل القرآن خاطبهم بهذا اللفظ الذي
يعرفونه . والمتعارف عليه عند الناس أن الإنسان إذا خاطب قوما بمصطلح منتشر بينهم
لكي يفهموه لا يقولون له أنت سرقت منا هذا المصطلح .
ثالثا :
أن مثل هذه الشبهات أن القرآن الكريم أخذ هذه الكلمة من تلك اللغة وهذه القصة من
ذلك الكتاب ونحو ذلك ، هي كلها أكاذيب ؛ لأنّ قولا مثل هذا يلزم منه أن يكون النبي
صلى الله عليه وسلم قد عاش مع علماء من أمم مختلفة ، وامتلك مكتبة ثرية بالكتب ،
وأن يكون قد ألمّ بعدة لغات ؛ وهذا كله مستحيل ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان
أميا ، ونشأ في مكة ، وهي بلدة خالية من العلم والكتب ، بعيدة جدا عن أماكن العلم
في ذلك الزمن ، ولم يثبت لأحد من أهلها ، نوع معرفة بلسان اليونان ، أو السريان ،
أو إلمام بتراثهم .
يقول د. عبد الرحمن بدوي :
" يؤكد كل هؤلاء الكتاب – يقصد المستشرقين - أن محمدا صلى الله عليه وسلم باعتباره
مؤلفا للقرآن اقتبس أغلب القصص ، وعددا كبيرا من الصور البيانية ، وكذلك الحكم
والأمثال ، من الكتب المقدسة ، أو شبه المقدسة لدى اليهود والنصارى .
ولكي نفترض صحة هذا الزعم ، فلا بد أن محمدا كان يعرف العبرية والسريانية
واليونانية ، ولا بد أنه كان لديه مكتبة عظيمة اشتملت على كل نصوص التلمود
والأناجيل المسيحية ، ومختلف كتب الصلوات ، وقرارات المجامع الكنسية ، وكذلك بعض
أعمال الأدباء اليونانيين ، وكتب مختلف الكنائس والمذاهب المسيحية .
هل يمكن أن يعقل هذا الكلام الشاذ لهؤلاء الكتاب ، وهو كلام لا برهان عليه .
... إن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل ظهور رسالته وبعدها : معروفة للجميع
، على الأقل في مظاهرها الخارجية ، ولا أحد قديما أو حديثا يمكن أن يؤكد أن النبي
محمدا صلى الله عليه وسلم كان يعرف غير العربية ؛ إذا كيف يمكن أن يستفيد من هذه
المصادر كما يدعون ! " انتهى من " دفاع عن القرآن ضد منتقديه " ( ص 24 ) .
رابعا :
ننبه إلى أنّ ما يسمى بالبحوث والتفسيرات التاريخية للعصور الموغلة في القدم ؛ ليست
كلها صحيحة ، ولا هي نتائج أخيرة ، مبنية على براهين علمية ثابتة ؛ بل هي اجتهاد
بشري لتفسير أمر وقع في الماضي البعيد ، ضاعت أكثر تفاصيله ومعالمه ؛ فلهذا ليس من
الموضوعية في شيء أن نعتمد على كلام باحث ما ، في بيان أصل كلمة معين ، ونجعله
حقيقة علمية ، ثم نحاكم إليها تاريخ الأمم وتراثها !!
ونحن نرى اليوم وقائع تاريخية في عصرنا الحاضر تتضارب فيها آراء المؤرخين رغم أنها
في كثير من الأحيان أبطالها أحياء ، فكيف إذا بتفاصيل دقيقة جدا ترجع إلى عصور
قديمة .
فهذا الذي يقول اسم فرعون أصله يوناني ، ما الذي يمنع أن اليونانيين أخذوا هذا
الاسم عن غيرهم ؟! ثم قبل ذلك : ما البرهان القاطع الواضح على مثل ذلك ؟
والله أعلم .