رأيت أن الناس في السعودية لا يقولون " الله أكبر " عقب الصلاة ، وإنما يشرعون في الاستغفار ثلاثاً ، مع أن التكبير مذكور في صحيح البخاري . فما الأصح في هذه المسألة ؟ وهل التكبير سنة مؤكدة ينبغي الإتيان بها بصوت مرتفع بعد الصلاة ؟
الحمد لله.
أولا :
روى البخاري (841) ومسلم (583) عن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ " .
وعند البخاري (842) : ( كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ ).
وقد اختلف أهل العلم في الجهر بالذكر والتكبير بعد الصلاة :
" فرأى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ ، وحَمَل الشَّافِعِيُّ الأْحَادِيثَ الَّتِي تُفِيدُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ لِيَعْلَمَ الصَّحَابَةُ صِفَةَ الذِّكْرِ ، لاَ أَنَّهُ كَانَ دَائِمًا ". انتهى من "الموسوعة الفقهية" (13/ 213).
وذهبت طائفة إلى استحباب رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة ، منهم : الطبري وابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم .
والأمر في هذا واسع ، إن شاء الله ، والخلاف فيه سائغ ، وينبغي لمن يختار رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة أن يكون رفعه متوسطا ، من غير إزعاج ولا تشويش .
انظر جواب السؤال رقم : (87768).
ثانيا :
اختلف العلماء في المقصود بالتكبير الوارد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : فقيل : أن يكبر إذا فرغ من الصلاة ثلاث تكبيرات ، قال ابن رجب رحمه الله :
" روى الإمام أحمد ، عن عمرو بن دينار قال : إن الناس كانوا إذا سلم الإمام من صلاة المكتوبة : كبروا ثلاث تكبيرات .
وقال حنبلٌ : سمعت أبا عبد الله يقول : ثنا عليٌ بن ثابتٍ : ثنا واصلٌ ، قال : رأيتُ علي [ بن ] عبد الله بن عباسٍ إذا صلى كبر ثلاث تكبيراتٍ . قلت لأحمد : بعد الصلاة ؟ قال: هكذا . قلت له : حديث عمرو ، عن أبي معبد ، عن ابن عباسٍ : ( كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتكبير ) ، هؤلاء أخذوه عن هذا ؟. قال : نعم . قال ابن رجب :
" فقد تبين بهذا أن معنى التكبير الذي كان في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقب الصلاة المكتوبة : هو ثلاث تكبيراتٍ متواليةٍ ". انتهى مختصرا من "فتح الباري" لابن رجب (7/ 396) .
- وقيل : إن المراد بـ" التكبير " : هو قول : ( سبحان الله والحمد لله والله أكبر ) دبر الصلاة ثلاثا وثلاثين .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
هل يشرع للمصلي أن يقول بعد التسليم : ( الله أكبر ) قبل أن يستغفر ثلاثا اعتمادا على لفظة ( التكبير ) في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير ) متفق عليه ، فإن كان لا يجوز ذلك فما المراد بالتكبير في الحديث ؟
فأجابوا :
" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يبدأ بالاستغفار فيستغفر الله ثلاثا ثم يقول: ( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ثم يأتي ببقية الأذكار الواردة ، أما التكبير المذكور في الحديث فالمراد به قول: ( سبحان الله والحمد لله والله أكبر ) دبر الصلاة ثلاثا وثلاثين ، وذلك جمعا بين الأحاديث الواردة في ذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/ 420).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجهر بالأذكار بعد الصلاة ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يجهرون بالذكر بعد الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) وقال : ( ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بالتكبير ) أي : بالتكبير الذي يكون مع الذكر ؛ لأن الذكر مشتمل على قول سبحان الله والحمد لله والله أكبر " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" للعثيمين (8/ 2) بترقيم الشاملة.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (131850).
والله تعالى أعلم .