معنى قول الفقهاء في شيء: إنه غير جائز، وهل يشمل ذلك المحرم والمكروه؟
عندمـا نقول " لا يجـوز شرعاً " فما هي درجة هذا الحكم ؟ بمعنى هل الغير جائز يقارب المكروه أكثر ؟ أم يقارب المحرّم ؟ وهل فعل الغير جائز يتساوى عقابه مع عقاب المكروه والمحرّم ؟ أريد نُبذة مختصرة عن هذا الأمر .
ملخص الجواب:
وخلاصة الجواب : أن العالم
إذا قال : لا يجوز ، فالظاهر والأكثر استعمالا أنه يريد الحرام ، وقد يستعمل بعض
العلماء أحيانا هذا اللفظ بمعنى المكروه .
أما عقاب من فعل شيئا غير جائز فيتوقف على معناه ، فإن كان حراما فإن فاعله يستحق
العقاب إلا أن تتداركه رحمة الله وعفوه ، وأما المكروه فلا عقاب على فعله ولا إثم ،
جاء في " مواهب الجليل في شرح مختصر خليل " (6 / 304) : " لَا مَأْثَمَ فِي فِعْلِ
الْمَكْرُوهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُه " انتهى ، وفي " سبل السلام " (2 /
516) : " فعل المكروه تنزيها لا يقتضي نقص شيء من الثواب " انتهى .
والله أعلم .
الجواب
الحمد لله.
كثير من الفقهاء يطلقون عدم الجواز على المحرم والمكروه ، بمعنى : أنهم يقولون في
المحرم : لا يجوز ، ويقولون في المكروه أيضا : لا يجوز ، وإن كان استعمال هذه
الكلمة عندهم في الحرام أكثر من استعمالها في المكروه ، جاء في " التقرير والتحبير
" لابن أمير الحاج (3 / 288): " لا تنافي بين غير الجائز والحرام ؛ لأن غير الجائز
إما مساوي الحرام أو أعم منه " انتهى ، وفي كتب الشافعية عند الكلام عن مسألة حكم
الاستنجاء باليمين ذكروا أنه لا يجوز ثم فسر بعضهم عدم الجواز بالكراهة ، جاء في "
المجموع شرح المهذب " (2 / 110): "....... وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَحْرِيمُ
الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ ، وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ أَدَبٌ ،
وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ عَلَى أَنَّ
قَوْلَهُمْ لَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ لَيْسَ مُبَاحًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فِي
الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ، بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ رَاجِحُ التَّرْكِ ، وَهَذَا أَحَدُ
الْمَذْهَبَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ
الْمُصَنِّفُ لَا يَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَهِيَ تَتَخَرَّجُ
عَلَى هَذَا الْجَوَابِ . فَإِنْ قِيلَ: هَذَا غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي كُتُبِ
الْمَذْهَبِ ، قُلْنَا : هُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَا
يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ " انتهى .
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله – في صلاة الكسوف لا يجوز تركها وفسره بعضهم
بالكراهة ، جاء في " الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع " (1 / 189): " وَأما قَول
الشَّافِعِي فِي (الْأُم) لَا يجوز تَركهَا فَمَحْمُول على الكَرَاهِيَة لتأكدها
ليُوَافق كَلَامه فِي مَوَاضِع أخر ، وَالْمَكْرُوه قد يُوصف بِعَدَمِ الْجَوَاز "
انتهى ، وفي " المجموع " أيضا (8 / 257) : " وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّ
الْمَكْرُوهَ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَيُفَسَّرُ الْجَائِزُ بِمُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ "
انتهى .
[ومستوى الطرفين هو المباح الذي لم يأمر به الشرع ولم ينهى عنه] ، وفي " أسنى
المطالب في شرح روض الطالب " (1 / 285) : " وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ بِعَدَمِ
الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ" انتهى.
وبعض الفقهاء يجعل المكروه من باب الجائز ، ويخص عدم الجواز بالمحرم فقط ، جاء في "
بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب " (1 / 397) : " والجائز في اللغة : العابر، وفي
الاصطلاح يطلق على معان : على المباح الشرعي ، وعلى ما لا يمتنع وجوده شرعا ،
فيتناول الواجب والمندوب والمكروه " انتهى ، فيؤخذ من هذا : أن غير الجائز هو
الحرام .