الحمد لله.
أولا :
الواجب على من وقع في معصية لله سبحانه ، سواء كانت شركا – والعياذ بالله – أو
كبيرة أو صغيرة أن يستتر بستر الله عليه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا
هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن ألمّ ، فليستتر بستر الله عز وجل )
والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " برقم (663) .
بل قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التحديث بالذنب والمجاهرة به ، وذلك لأن
المجاهرة بالذنب تشعر باستهانة صاحبها به ، واستخفافه بحدود الله سبحانه ، وعدم
مبالاته بها ، فعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل
أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ، ثم يصبح
وقد ستره الله عليه فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ،
ويصبح يكشف ستر الله عنه ) .رواه البخاري ( 5721 ) ، ومسلم ( 2990 ).
قال ابن القيم :" المستخفي بما يرتكبه : أقل إثماً من المجاهر المستعلن ، والكاتم
له أقل إثماً من المخبِر المحدِّث للناس به ، فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه
، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " انتهى من
إغاثة اللهفان " ( 2 / 147 ) .
ومن المعلوم أن الشرك بالله هو أكبر الكبائر ، وأقبح القبائح ، فمن وقع فيه :
فالواجب عليه أن يسارع بالتوبة منه ، وذلك بالإقلاع عن الشرك ، وتجديد الدخول في
الإسلام .
ويشرع له ـ أيضا ـ أن يغتسل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك قيس بن عاصم .
وقد سبق أن بينا كيفية التوبة من الشرك في الفتوى رقم : (20482).
وعليه أيضا أن يخفي ذنبه عن الناس ما استطاع ، فإن سأله أحد عن ذلك – وهذا مستبعد
جدا في الواقع ومجاري العادات – فلا يخبره ، بل عليه أن يلتزم الصمت ، أو يتحدث
بشيء من التورية والمعاريض ، وهي الكلام الذي يفهم منه السامع معنى خلاف ما يريد
المتكلم ، كأن يقول : لم يقع مني شرك ، ويقصد خلال هذا اليوم مثلا . يقول الحافظ
ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه : " ويؤخذ من قضيته : أنه
يستحب لمن وقع في مثل قضيته : أن يتوب إلى الله تعالى ، ويستر نفسه ، ولا يذكر ذلك
لأحد ، كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز . وأن مَن اطلع على ذلك: يستر عليه بما
ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام ، كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه
القصة : ( لو سترته بثوبك لكان خيراً لك ) ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال
: أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً ، فستره الله عليه : أن يستره على نفسه ، ويتوب ، واحتج
بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر " انتهى من "فتح الباري" (12/124).
ثانيا:
أما السؤال عن هذا الذي يعاني من الشك والوساوس كحالة مرضية خارجة عن المعتاد :
فهذا علاجه أن يستعيذ بالله سبحانه من الشيطان الرجيم ، ويقلع عن مجاراة هذه
الوساوس ، بل عليه أن يعرض عنها ، ولا يلتفت إليها .
سئل ابن حجر الهيتمي – رحمه الله – عن داء الوسوسة هل له دواء ؟
فأجاب : " له دواء نافع ، وهو الإعراض عنها جملة كافة ، وإن كان في النفس من التردد
ما كان ؛ فإنه متى لم يلتفت لذلك : لم يثبت ، بل يذهب بعد زمن قليل ، كما جرب ذلك
الموفقون ، وأما من أصغى إليها ، وعمل بقضيتها : فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه
إلى حيز المجانين ، بل وأقبح منهم ، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها ، وأصغوا
إليها وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه - صلى الله عليه وسلم - بقوله:
اتقوا وسواس الماء الذي يقال له الولهان [ضعفه الألباني في ضعيف الجامع وغيره] ؛
أي: لما فيه من شدة اللهو ، والمبالغة فيه ، كما بينت ذلك وما يتعلق به في شرح
مشكاة الأنوار، وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته ، وهو أن من ابتلي بالوسوسة ،
فليعتقد بالله ولينته.
فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته ، واعلم أن من حُرِمه
، فقد حُرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان ، اتفاقا ؛ واللَّعينُ لا غاية
لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ، ونكد العيش ، وظلمة النفس وضجرها
، إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) " انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى (1 / 149) .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (10160)
، ورقم : (102851) ، ورقم : (98295)
.
ومما يدل على كون هذا الشخص قد أوصلته الوساوس إلى حالة سيئة متردية ، خارجة عن
طبيعة الأسوياء : أنه يشك هل زنا أم لم يزن !! وهذا لا يكون من شخص سوي ، بل يكون
من شخص مبتلى قد تلاعب به الشيطان ليحزنه ، وليدخل عليه الغم والكآبة وليعسِّر عليه
أمور دينه ويصده عن ذكر ربه سبحانه ، فعليه أن لا يلتفت إلى هذه الوساوس ، وأن لا
يعبأ بها كلها ، سواء ما يتعلق منها بأنه أشرك ، أو زنى ، أو عصى أيا ما كانت
معصيته ؛ وليكن أكبر همه أن يحارب الشيطان ، ويغلبه ويدحره ، ولا يكون ذلك إلا
بالاستعانة بالله سبحانه والصبر على أوامره وحفظ حدوده .
وليعلم السائل أن الأصل في
المسلم السلامة وبراءة الذمة ، وإذا حصل شك – لظروف مرضه وبلائه - هل وقع منه ذنب
أم لا ؟ فليعلم أن اليقين لا يزول بالشك ، وأن اليقين هنا هو أنه لم يواقع هذه
المعاصي ، فيظل هذا اليقين على حاله ولا يلغى لشك عارض ، كما بيناه في الفتوى رقم :
(14219)
والله أعلم.