الحمد لله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَدْفَعَ كُلَّ ضَرَرٍ بِمَا شَاءَ ، وَلَا يَجْلِبَ
كُلَّ نَفْعٍ بِمَا شَاءَ ، بَلْ لَا يَجْلِبُ النَّفْعَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى
اللَّهِ ، وَلَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ " انتهى من
" الفتاوى الكبرى " (3/15) .
وانظر للفائدة إلى جواب السؤال رقم : (39775) ، وجواب السؤال رقم : (161228) .
وفي كفاية الهم والسلامة من محن الدنيا وعوارضها بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ينظر جواب السؤال رقم : (128455) .
ثانيا :
لا شك أيضا أن من أعظم ما يهتم به المرء شأن أولاده وذويه ، فيفرح لفرحهم ، ويكرب
لكربهم ، ويهتم لهمهم ، وكثيرا ما يكون الاهتمام بشأن الأولاد أولى وأعظم من
الاهتمام بشأن النفس ، فحاجة الأولاد عادة مقدمة على حاجة المرء ذاته .
فكثير من الناس يكون حزنه على ما أصاب زوجته أو أحد أولاده أعظم بكثير من حزنه وهمه
لما أصابه في خاصة نفسه .
وهذا نبينا صلى الله عليه
وسلم يهتم بشأن أمته أعظم الهم ويكرب لذلك ويبكي ، فيكشف الله عنه هذا الكرب ويرضيه
فيهم ؛ فروى مسلم (202) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى
الله عليه وسلم : تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ : ( رَبِّ
إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي )
الْآيَةَ ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ
عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ،
فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : ( اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ) ، وَبَكَى ، فَقَالَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، وَرَبُّكَ
أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ ) فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللهُ : ( يَا جِبْرِيلُ ،
اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ، وَلَا
نَسُوءُكَ ) .
فأزال عنه كربه بحصول النعمة فيهم .
فاكتراب الرجل واهتمامه بما
يصيب زوجته أو أحدا من أولاده وذويه من أعظم ما يصيبه من الكرب ، فكربهم من كربه ،
وهمهم من همه ، فلو أنه لزم الاستغفار وأكثر من فعل الطاعات ومن الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم ؛ لكشف هذا الكرب فلا بأس بذلك ، كما أنه لا بأس بأن يدعو الله
لزوال الهم والغم ، وهو من التوسل المشروع لقضاء الحاجات وكشف الكربات .
وقد قال سعيد بن المسيب لابنه : " لَأَزِيدَنَّ فِي صَلَاتِي مِنْ أَجْلِكَ ،
رَجَاءَ أَنْ أُحْفَظَ فِيكَ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ( وَكَانَ أَبُوهُمَا
صَالِحًا ) الكهف/ 82 " انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/467) .
فمن أكثر من الصالحات ليكشف
الله عنه كربه الذي أصابه بما أصاب زوجته أو ولده أو أخاه من البلاء فقد أحسن ، وإن
الله عز وجل ليرضي العبد الصالح في زوجته وذريته بصلاحه وتقواه .
وإذا توسل العبد بالعمل الصالح لزوال كربه الذي أصابه بما أصاب ابنه أو زوجته من
البلاء ، فقد يرفع الله هذا البلاء ، ويكشف هذا الضر ، فيرضي الله عبده الصالح في
ذويه بفضله ورحمته .
وقد يكشف الله عن هذا العبد الهم والكرب بإلهامه الصبر والاحتساب ، فيصبر ويحتسب ،
فيعظم أجره عند الله ، ويبدله سبحانه عن همه وكربه انشراح الصدر وراحة البال ، حتى
وإن لم يرفع البلاء عن عمن يحب بالكلية .
فهذا التوسل بالعمل الصالح ، صالح لرفع الضر وزواله بالكلية ، وهو صالح أيضا لرفع
الهم وكشف الكرب وإن لم يزل البلاء ، وفضل الله واسع .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (194733)
.
والله أعلم .