الحمد لله.
أولا :
وردت نصوص شرعية كثيرة جدا في بيان فضل الجهاد ، ومدى أهميته ، وخطر ترك المسلمين له ، وهذا جعل أهل العلم يرون أن التطوع بالجهاد ، في مرتبة تلي الفرائض .
قالالإمام أحمد رحمه الله : " لا أعلم شيئا بعد الفرائض أفضل من الجهاد " انتهى من " المغني " ( 13 / 10 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" اتّفق العلماء - فيما أعلم - على أنّه ليس في التَّطَوُّعات أفضل من الجهاد " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 28 / 418 ) .
وقال أيضا :
" والأمر بالجهاد ، وذكر فضائله في الكتاب والسنة : أكثر من أن يحصر. ولهذا كان أفضلَ ما تطوع به الإنسان، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ، ومن الصلاة التطوع ، والصوم التطوع ، كما دل عليه الكتاب والسنة ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذِرْوَة سَنَامه الجهاد ) ، وقال: ( إن في الجنة لمائة درجة ، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض ، أعدها اللّه للمجاهدين في سبيله ) متفق عليه ، وقال: ( من اغبَرَّت قدماه في سبيل اللّه حَرَّمَه اللّه على النار ) رواه البخاري ...
وهذا باب واسع ؛ لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه .
وهو ظاهر عند الاعتبار ؛ فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا ، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة ، فإنه مشتمل من محبة اللّه تعالى ، والإخلاص له ، والتوكل عليه ، وتسليم النفس والمال له ، والصبر والزهد ، وذكر اللّه ، وسائر أنواع الأعمال ، على ما لا يشتمل عليه عمل آخر " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 28 / 352 - 353 ).
وبسبب هذه الأهمية والمكانة ، ولأن من الجهاد ما يكون فرض كفاية ، ومنه ما يكون ـ أيضا ـ فرض عين ، على القادر ؛ ذهب بعض أهل العلم إلى أنه عده ركنا سادسا من أركان الإسلام .
قال عبد الرحمن ابن القاسم رحمه الله تعالى :
" وعدّه بعضهم ركنا سادسا لدين الإسلام ، فلذا أوردوه بعد أركان الإسلام الخمسة " انتهى من " حاشية الروض المربع " ( 4 / 253 ) .
ولم نقف على معين مِن السلف الصالح ، قد عدّه ركنا ، لكن هناك قول لحذيفة رضي الله عنه قد يقرب من هذا المعنى . قال رضي الله عنه :
" الْإِسْلَامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ ؛ الْإِسْلَامُ سَهْمٌ ، وَالصَّلَاةُ سَهْمٌ ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ ، وَالْحَجُّ سَهْمٌ ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ سَهْمٌ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَهْمٌ ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ " رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ( 413 ) .
والمعروف عند أهل العلم ، عامة ، وهو الذي يدل عليه النص : حصر أركان الإسلام في الخمسة المعروفة :
عن ابن عمر رضى الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ) رواه البخاري ( 8 ) ، ومسلم ( 16 ) .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
" ولم يذكرالجهادفي حديث ابن عمر هذا
، مع أنَّالجهادَأفضلُ الأعمال ،
وفي رواية: أنَّ ابنَ عمر قيل له: فالجهاد ؟
قالَ: الجهادحسن، ولكن هكذا
حدَّثنا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم . خرَّجه الإمام أحمد .
وفي حديث معاذ بنِ جبل: ( إنَّ رأسَ الأَمرِ الإسلامُ ، وعمودهُ الصَّلاةُ ، وذروةُ
سنامهالجهاد
) وذروةُ سنامه: أعلى شيء فيه ، ولكنَّه ليس من دعائمه وأركانه التي بُني عليها ،
وذلك لوجهين:
أحدهما: أنَّالجهادَفرض كفاية عند جمهور
العلماء ، ليس بفرضِ عينٍ ، بخلاف هذه الأركان .
والثاني: أنَّالجهادلا يَستمِرُّ فعلُه
إلى آخر الدَّهر، بل إذا نزل عيسى عليه السلام ، ولم يبقَ حينئذٍ ملة إلاّ ملة
الإسلام ، فحينئذٍ تضعُ الحربُ أوزارَها ، ويُستغنى عنالجهاد
،بخلاف
هذه الأركان ، فإنَّها واجبةٌ على المؤمنين إلى أن يأتيَ أمرُ الله وهم على ذلك ،
والله أعلم
" انتهى من " جامع
العلوم والحكم " ( ص 129- 130 ) .
ثانيا :
اختلاف أهل العلم في عدّ الجهاد من أركان الإسلام ؛ هو خلاف لفظي ليس له أثر يذكر في الواقع .
لأن عامتهم متفقون على أن الجهاد فرض كفاية وأحيانا يكون فرض عين .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم . وحكي عن سعيد بن المسيب ، أنه من فروض الأعيان ...
ويتعين في ثلاثة مواضع ؛ أحدها ، إذا التقى الزحفان ، وتقابل الصفّان ؛ حرم على من حضر الانصراف ، وتعين عليه المقام ... الثاني ، إذا نزل الكفار ببلد ، تعين على أهله قتالهم ودفعهم. الثالث ، إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه " انتهى من " المغني " ( 13 / 7 – 8 ) .
وذكر بعضهم أنه إجماع .
قال ابن القطان الفاسي رحمه الله تعالى :
" وأجمع المسلمون جميعا على أنّ الله فرض الجهاد على الكافة ؛ إذا قام به البعض ، سقط عن البعض .
وأجمع الفقهاء أن الجهاد فرض على الناس ، إلا من كفي مؤنة العدو منهم : أباح من سواه التخلف ما كان على كفاية ، إلا عبيد الله بن الحسن فإنه قال : هو تطوع " انتهى من " الإقناع في مسائل الإجماع " ( 1 / 334 ) .
والله أعلم .