الحمد لله.
أولا :
لا يجوز للوالد أن يخص أبناءه الذكور بالميراث أو الهدايا ، والواجب عليه أن يعدل
بين جميع أولاده : الذكور والإناث .
فإذا قسم عليهم أملاكه فإنه يقسم على الجميع بالعدل الذي شرعه الله ، وهو أن يعطي
الذكر ضعف ما تأخذه الأنثى .
ولما خص بعض الصحابة أحد أبنائه بعطية وجاء ليشهد الرسول صلى الله عليه وسلم عليها
، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا
؟ ) ، فَقَالَ : لَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: ( فَارْجِعْه ) رواه البخاري ( 2586) ، ومسلم (1623).
وفي رواية للبخاري (2587) : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ
أَوْلادِكُمْ ) قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ " .
ولمسلم (1623) : ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
يَا بَشِيرُ ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ ) ، قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : (
أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ ) ، قَالَ : لَا ، قَالَ : ( فَلَا
تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ).
وهذا الفعل ، ( أي : تخصيص الذكور بالميراث ) هو من عمل أهل الجاهلية ، الذي كانوا
لا يورثون الإناث ، ويخصون الميراث بالرجال فقط ، فجاء الإسلام بهدم هذه التصرفات
الجاهلية وقال الله تعالى : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ) النساء/7.
وإذا قسم الوالد أمواله على أولاده الذكور فقط فالواجب عليه أن يرجع في تلك العطية
وأن يسترد الأموال مرة أخرى ويعيد تقسيمها بالعدل إن أراد تقسيمها .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل له بنتان ومطلقة حامل ، فكتب
للبنتين ألفي دينار وبعض أملاكه ، ثم بعد ذلك توفي الرجل وولدت له مطلقته ذكرا ،
فهل يفسخ ما كتب للبنات أم لا ؟
فأجاب :
"هذه المسألة فيها نزاع بين أهل العلم إن كان قد ملك البنات تمليكا تاما مقبوضا ،
فأما أن يكون كتب لهن في ذمته ألفي دينار من غير إقباض أو أعطاهن شيئا ولم يقبضه
لهن فهذا العقد مفسوخ ، ويقسم الجميع بين الذكر والأنثيين .
وأما مع حصول القبض ففيه نزاع ، وقد روي أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده فلما
مات ولد له حمل ، فأمر أبو بكر وعمر أن يعطى الحمل نصيبه من الميراث . فلهذا ينبغي
أن يفعل بهذا كذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا الله واعدلوا بين
أولادكم )
وقال : ( إني لا أشهد على جور ) لمن أراد تخصيص بعض أولاده بالعطية .
وعلى البنات أن يتقين الله ويعطين الابن حقه ...
وأما إذا أوصي لهن بعد موته فهي غير لازمة باتفاق العلماء ، والصحيح من قولي
العلماء أن هذا والذي خص بناته بالعطية دون حمله يجب عليه أن يرد ذلك في حياته ،
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين
أيضا ، طاعة لله ولرسوله ، واتباعا للعدل الذي أمر به ، واقتداء بأبي بكر وعمر رضي
الله عنهما ، ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل ، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع
المال بالعدل الذي أمر الله به . والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى من " الفتاوى
الكبرى " (4/184) .
وعلى هذا ، فتسترد الأموال
التي وزعتها منذ خمسة عشر عاما .
ثانيا :
أما ما حدث بعد ذلك من الأموال فإنها تكون شركة بينك وبين أولادك ، لأنها حصلت من
شغلهم وتعبهم ومن أموالك أنت أيضا وقد كنت تعمل معهم مدة .
فينبغي أن يتم اعتبارك شريكا معهم في هذه الزيادة التي زادت في الأموال ، وتحسب
نسبة الشركة بالعدل ، فيُسأل في تحديد تلك النسبة أهل الخبرة وهم التجار الثقات
الذي يعملون في السوق والتجارة ولهم خبرة بذلك . فيحددون النسبة التي تستحقها أنت
فتأخذها ، ويكون باقي الأرباح لأولادك .
هذا هو الواجب عليك فعله ، أما استمرار العمل بهذه الاتفاقية مع ما فيها من ظلم
للنبات فإن ذلك حرام لا يجوز .
وفقك الله للخير .
والله أعلم .