الحمد لله.
أولا :
الحديث النبوي الشريف الذي استندت إليه الدكتورة في إسناده مقال وضعف ، يروى عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلاَةَ العَصْرِ بِنَهَارٍ ، ثُمَّ قَامَ
خَطِيبًا ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ
أَخْبَرَنَا بِهِ ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ .
وَكَانَ فِيمَا قَالَ : ( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ
مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، أَلاَ فَاتَّقُوا
الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ : أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ
رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ .
قَالَ : فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ : قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ
فَهِبْنَا ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ : أَلاَ إِنَّهُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ
لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ ، وَلاَ غَدْرَةَ أَعْظَمُ مِنْ
غَدْرَةِ إِمَامِ عَامَّةٍ ، يُرْكَزُ لِوَاؤُهُ عِنْدَ اسْتِهِ .
فَكَانَ فِيمَا حَفِظْنَا يَوْمَئِذٍ :
أَلاَ إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى :
فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا .
وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا .
وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا .
وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا .
أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمُ البَطِيءَ الغَضَبِ سَرِيعَ الفَيْءِ .
وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الغَضَبِ سَرِيعُ الفَيْءِ ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ .
أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمْ سَرِيعَ الغَضَبِ بَطِيءَ الفَيْءِ .
أَلاَ وَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الغَضَبِ سَرِيعُ الفَيْءِ .
أَلاَ وَشَرُّهُمْ سَرِيعُ الغَضَبِ بَطِيءُ الفَيْءِ .
أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمْ حَسَنَ القَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ ، وَمِنْهُمْ سَيِّئُ
القَضَاءِ حَسَنُ الطَّلَبِ ، وَمِنْهُمْ حَسَنُ القَضَاءِ سَيِّئُ الطَّلَبِ ،
فَتِلْكَ بِتِلْكَ . أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمُ السَّيِّئَ القَضَاءِ السَّيِّئَ
الطَّلَبِ ، أَلاَ وَخَيْرُهُمُ الحَسَنُ القَضَاءِ الحَسَنُ الطَّلَبِ ، أَلاَ
وَشَرُّهُمْ سَيِّئُ القَضَاءِ سَيِّئُ الطَّلَبِ .
أَلاَ وَإِنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى
حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ ، فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ
ذَلِكَ فَلْيَلْصَقْ بِالأَرْضِ .
قَالَ : وَجَعَلْنَا نَلْتَفِتُ إِلَى الشَّمْسِ هَلْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلاَ إِنَّهُ لَمْ
يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلاَّ كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ
هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ ) رواه الترمذي في " السنن " (2191) وقال : " هذا حديث
حسن " .
ولكن في إسناده علي بن زيد بن جدعان ، كان الترمذي يحكم عليه بأنه " صدوق إلا أنه
ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره " ، ولكن جمهور النقاد على تضعيفه ، قال فيه أحمد
بن حنبل : ضعيف الحديث . وقال يحيى بن معين : ضعيف . وقال أبو زرعة : ليس بقوى .
وقال أبو حاتم : ليس بقوي ، يكتب حديثه ، ولا يحتج به . وقال النسائي: ضعيف . وقال
أبو بكر بن خزيمة : لا أحتج به لسوء حفظه . وقال أبو أحمد بن عدي : مع ضعفه يكتب
حديثه . ينظر " تهذيب التهذيب " (7/324)
ولذلك ضعف هذا الحديث البوصيري في " إتحاف الخيرة " (8/66)، والشيخ الألباني في "
ضعيف الترمذي " ، ومحققو مسند أحمد في " طبعة مؤسسة الرسالة " (17/228) .
ثانياً :
ثم على فرض تصحيح الحديث ، فقد حدد مناط القسمة بخلقي الغضب والفيء فحسب ، ولم يصنف
البشر على أي مناط آخر ، ولا وفقا لأي أساس آخر ، فمن أين ينسب إلى هذا الحديث كل
هذه الأنماط الشخصية المذكورة في كتاب يتجاوز عدد صفحاته الثلاثمائة صفحة .
ثالثا :
تحويل التقسيم النبوي للبشر إلى تمييز مناطقي : شمالي وجنوبي وشرقي وغربي أيضا لا
يسلم ، ولا يجوز نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام .
ورغم ما سبق كله ، فليس البحث أمراً محرماً في علوم
النفس والاجتماع والعلاقات البشرية والاجتهاد في دراسة أنماط البشر ، وأنواع النفوس
، ودراسة العلاقات بين الشخصيات ، ومحاولة تصنيفها وتمييز القواسم المشتركة أو
العوامل المفرقة بينها ، فتلك علوم واسعة ، وتخصصات دقيقة ، مجال الاجتهاد فيها
مفتوح ، وتدخل في دائرة المباحات في شريعتنا الإسلامية ، التي فتحت للناس آفاق
البحث والمعرفة .
ولكن في الوقت نفسه يجب الحذر من إضفاء الصبغة الشرعية
على كل شيء نقرؤه أو ندرسه من هذه العلوم ، واستعمال هذه الطريقة - في البحث عن أي
حديث نبوي يؤيد الفكرة التي نقرؤها – فيها مجموعة من المحاذير :
أهمها التساهل في التأويل والتحريف ليتوافق الحديث الشريف مع الفكرة المظنونة
الاجتهادية ، وحينئذ يصبح الدين عرضة لتلاعب المغرضين والمفسدين .
ومنها محذور الرياء وتزكية النفس ، وكأن أحدنا يبحث عن مسحة دينية يجذب بها قلوب
العامة لحضور الدورات وتقبلها ، ونشرها والتصديق بها ، وهذا موضع خطر وخلل .
وإنما الذي يُنصح به إمكان الإشارة إلى الحديث النبوي الشريف ، ودعوة الحضور إلى
التأمل والتفكر فيه وفي علاقته بموضوع الدورة ، وطرح هذا الربط على سبيل الاجتهاد
والتساؤل ، وليس على سبيل الجزم والقطع بعلاقته بتقسيم الشخصيات المطلوب ، فهنا
دائما يكمن الخلل ، حيث نستعمل لغة القطع في قضايا البحث والاجتهاد .
وملاحظة أخيرة : لا يخلو الكتاب من ملاحظات وانتقادات
، وليس المقصود في الجواب هنا دراسة الكتاب وعرض أبوابه ، وإنما فقط التركيز على
نسبة " بوصلة الشخصية " للسنة النبوية .
والله أعلم .