فوارق مهمة بين مجموعة من كتب التراجم
ما الفرق بين الكتب التالية ، وأيها يغني عن الآخر ؟
- تهذيب الكمال للمزي .
- تهذيب التهذيب لابن حجر ، تقريب التهذيب لابن حجر .
- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي ، ميزان الاعتدال للذهبي .
- لسان الميزان لابن حجر ، سير أعلام النبلاء للذهبي ، الكامل في الضعفاء لابن عدي .
الجواب
الحمد لله.
طالب العلم لا يستغني عن أي كتاب ، حتى لو كان مختصرا لكتاب آخر ، أو مستلا منه ،
فغالبا ما سيجد فيه إضافة علمية مهمة يحتاجها في بحثه ودرسه ، فقد كان من هدي
العلماء الأوائل الحرص على تقديم الجديد في مؤلفاتهم وكتبهم ، كي لا تذهب أوقاتهم
هدرا في تكرار علم اشتملت عليه الكتب الأخرى ، وخاصة كتب الحديث .
فكتب التراجم وعلم الرجال إذن - كلها بمجموعها - تشكل موسوعة تاريخية لا نظير لها
في الدنيا ، ولا يستغني عنها طالب العلم الباحث المدقق .
وبيان ذلك أن كلا من " تهذيب الكمال "، و " تهذيب التهذيب "، و " تقريب التهذيب "،
و " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة "، هي مختصرات وإضافات ترجع إلى
أصل واحد ، هو كتاب " الكمال في معرفة أسماء الرجال " لعبد الغني المقدسي (ت600هـ)
، إلا أن كل كتاب من هذه تميز بأمور لا تجدها في غيره .
فـ " تهذيب الكمال " أضاف إلى " الكمال " مئات التراجم التي فاتته ، كما قال مؤلفه
نفسه الإمام المزي رحمه الله :
" تتبعت الأسماء التي حصل منه إغفالها ، فإذا هي أسماء كثيرة ، تزيد على مئاتٍ
عديدة من أسماء الرجال والنساء . ثم وقفت على عدة مصنفات لهؤلاء الأئمة الستة غير
هذه الكتب الستة ، فإذا هي تشتمل على أسماء كثيرة ليس لها ذكر في الكتب الستة ، ولا
في شيء منها ، فتتبعتها تتبعاً تامّاً ، وأضفتها إلى ما قبلها ، فكان مجموع ذلك
زيادة على ألف وسبعمائة اسم من الرجال والنساء " انتهى من " تهذيب الكمال " (1/148)
.
و" تهذيب التهذيب " مثلا اختصر من أسماء الشيوخ والتلاميذ لكل راو ما يضطرك إلى
الأصل المطبوع في " تهذيب الكمال " في كثير من الأحيان ، ولكنه أضاف على المزي
كثيرا من أقوال المجرحين أو المعدلين التي فاتته ، كما قال ابن حجر رحمه الله :
" اقتصرت من شيوخ الرجل ومن الرواة عنه - إذا كان مكثراً - على الأشهر والأحفظ
والمعروف ...ومهما ظفرت به بعد ذلك من تجريح وتوثيق ألحقته ، ولا أحذف من رجال "
التهذيب " أحداً ، بل ربما زدت فيهم من هو على شرطه " انتهى من " تهذيب التهذيب "
(1/4) .
وأما كتاب " تقريب التهذيب " فهو مختصر جدا ، لا ينفع الباحث في التعرف المفصل على
الراوي وبيان حاله ، ولكنه تميز بذكر خلاصة الحكم على الراوي ، في رأي المؤلف ،
الأمر الذي لا تجده في الكتب السابقة ، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" يتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة ، وهي : أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم
يشمل أصح ما قيل فيه ، وأعدل ما وصف به بألخص عبارة ، وأخلص إشارة ، بحيث لا تزيد
كل ترجمة على سطر واحد غالباً " انتهى من " مقدمة تقريب التهذيب ".
وكذلك حال كتاب " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة " للإمام الذهبي ،
فهو مختصر جدا ، لا يفيد الباحث في معرفة الشيوخ والتلاميذ وأقوال النقاد والسماع
والاتصال والانقطاع ونحو ذلك ، وحذف منه تراجم الرواة في غير الكتب الستة تحديدا ،
ولكن فيه إضافة نافعة ، وهي أيضا ذكر خلاصة حكم الإمام الذهبي على الراوي بكلمات
معدودة .
قال الذهبي في مقدمته : " اقتصرت فيه على ذكر من له رواية في الكتب الستة دون باقي
تلك التواليف التي في " التهذيب "، ودون من ذُكِرَ للتمييز أو كُرِّر للتنبيه "
وهكذا كل كتاب مما سبق فيه بعض الميزات التي لا توجد في غيره ، وفيه نواقص نسبية ،
بمعنى أن هذه النواقص قد لا تكون مهمة لبعض الباحثين ، وقد تكون ضرورية لآخرين ،
بحسب الباحث ونوع البحث الذي يجريه . لكن في المجمل العام ، طالب العلم الجاد لا
يستغني عن شيء منها .
أما الكتب الأخرى ، فكتاب " ميزان الاعتدال " للحافظ الذهبي جمع فيه كل من ضعفه أحد
النقاد من الرواة ، سواء من رواة الكتب الستة أو غيرهم ، وسواء كان التضعيف بحق أم
بغير حق ، ولم يستثن سوى الصحابة وأئمة المذاهب المتبوعة .
يقول رحمه الله :
" احتوى كتابي هذا على ذكر الكذابين الوضاعين المتعمدين قاتلهم الله ، وعلى
الكاذبين في أنهم سمعوا ولم يكونوا سمعوا ، ثم على المتهمين بالوضع أو بالتزوير ،
ثم على الكذابين في لهجتهم لا في الحديث النبوي ، ثم على المتروكين الهلكى الذين
كثر خطؤهم وترك حديثهم ولم يعتمد على روايتهم ، ثم على الحفاظ الذين في دينهم رقة ،
وفي عدالتهم وهن ، ثم على المحدثين الضعفاء من قبل حفظهم ، فلهم غلط وأوهام ، ولم
يترك حديثهم ، بل يقبل ما رووه في الشواهد والاعتبار بهم لا في الأصول والحلال
والحرام ، ثم على المحدثين الصادقين أو الشيوخ المستورين الذين فيهم لين ، ولم
يبلغوا رتبة الأثبات المتقنين ، ثم على خلق كثير من المجهولين ممن ينص أبو حاتم
الرازي على أنه مجهول ، أو يقول غيره : لا يعرف ، أو فيه جهالة ، أو يجهل ، أو نحو
ذلك من العبارات التي تدل على عدم شهرة الشيخ بالصدق ، إذ المجهول غير محتج به ، ثم
على الثقات الأثبات الذين فيهم بدعة ، أو الثقات الذين تكلم فيهم من لا يلتفت إلى
كلامه في ذلك الثقة ، لكونه تعنت فيه ، وخالف الجمهور من أولي النقد والتحرير ،
فإنا لا ندعى العصمة من السهو والخطأ في الاجتهاد في غير الأنبياء " .
انتهى من " ميزان الاعتدال " (1/3).
ثم جاء الحافظ ابن حجر واختصر من " ميزان الاعتدال " كل التراجم الموجودة في "
تهذيب التهذيب "، وأضاف عليه من وصف بالضعف وفات الذهبي ذكره ، وسمى كتابه " لسان
الميزان "، فمن اقتنى " تهذيب التهذيب " و " لسان الميزان " أغناه إن شاء الله عن "
ميزان الاعتدال ".
يقول ابن حجر رحمه الله :
" من أجمع ما وقفت عليه في ذلك كتاب " الميزان " الذي ألفه الحافظ أبو عبد الله
الذهبي ، رأيت أن أحذف منه أسماء من أخرج له الأئمة الستة في كتبهم أو بعضهم ، فلما
ظهر لي ذلك استخرت الله تعالى ، وكتبت منه ما ليس في تهذيب الكمال...وقد جمعت
أسماءهم - أعني من ذكر منهم في الميزان - وسردتها في فصل آخر الكتاب ، ثم إني زدت
في الكتاب جملة كثيرة... وما زدته في أثناء ترجمة ختمت كلامه بقول انتهى وما بعدها
فهو كلامي ، وسميته لسان الميزان " انتهى من " لسان الميزان " (1/192) .
وأما كتاب " الكامل في ضعفاء الرجال " لابن عدي ، فيغني عنه ما سبق من الكتب ، فقد
استوعب ما فيه كل من ابن حجر والذهبي رحمهما الله ، ومع ذلك فمن أراد التدقيق لم
يكتف بالكتب التي تنقل عنه ، بل يرجع إلى المصدر مباشرة ، كي يقف على الترجمة
المطولة ، ويدقق في دقة النقل عنه أصلا ، فكثيرا ما تقع الأوهام في نقل آراء ابن
عدي ، وكثيرا ما تتضح في تراجم ابن عدي أحوال الرواة بشكل أفضل ، لما تميز به من
جمع مناكير الراوي وما أخذ عليه في ترجمته . وهذا المنهج لا بد أن يستفاد منه في أي
عمل موسوعي قادم .
يبقى أخيرا الحديث حول كتاب " سير أعلام النبلاء " للإمام الذهبي ، فهو من
الموسوعات المهمة للباحث ، لما فيه من جمع عريض ، وتراجم شاملة ، ليست لرواة الحديث
فحسب ، بل لكل من عرفه الذهبي من المشاهير عنده ، من الأمراء والعلماء والمصنفين
وغيرهم من كل من كان له ذكر في التاريخ الإسلامي ، بل فيه تراجم لغير المسلمين أيضا
. فهو كتاب مهم ، ومرجع أساس للباحث في التراث .
يقول الدكتور بشار عواد معروف :
" استعمل الذهبي لفظ " الأعلام " ليدل على المشهورين جدا بعرفه هو ، لا بعرف غيره ،
ذلك أن مفهوم " العَلَم " يختلف عند مؤلف وآخر استنادا إلى عمق ثقافته ، ونظرته إلى
البراعة في علم من العلوم ، أو فن من الفنون ، أو عمل من الأعمال ، أو أي شيء آخر .
لذلك وجدنا أن سعة ثقافة الذهبي ، وعظيم اطلاعه ، وكثرة معاناته ودربته بهذا الفن ،
قد أدت إلى توسيع هذا المفهوم ، بحيث صرنا نجد تراجم في " السير " مما لا نجده في
كتب تناولت المشهورين ، مثل " المنتظم " لابن الجوزي ، و " الكامل " لابن الأثير ،
و " البداية " لابن كثير ، و " عقد الجمان " لبدر الدين العيني ، وغيرها .
لم يقتصر الذهبي في " السير " على نوع معين من " الأعلام "، بل تنوعت تراجمه فشملت
كثيرا من فئات الناس ، من الخلفاء ، والملوك ، والأمراء والسلاطين ، والوزراء ،
والنقباء ، والقضاة ، والقراء ، والمحدثين ، والفقهاء ، والأدباء ، واللغويين ،
والنحاة ، والشعراء ، وأرباب الملل والنحل والمتكلمين والفلاسفة ، ومجموعة من
المعنيين بالعلوم الصرفة " .
انتهى من " سير أعلام النبلاء " (طبعة الرسالة، المقدمة/ 110) .
نرجو أن نكون قد بينا في هذه العجالة تعريفا موجزا بهذه الكتب ، والفوارق بينها ،
وما تميز كل منها عن الآخر .
والله أعلم .