تزوجت منذ بضعة أشهر ، وأعيش الآن في السعودية ، بينما زوجتي تعيش في باكستان ، ولم أدخل بها منذ أن تزوجتها ؛ لأن هذا الزواج فُرض عليّ من قبل أبوي فرضا ، وهي كذلك لا ترغب بي .
إنني أحب امرأة أخرى ، متزوجة ، كان بيني وبينها علاقة سابقة ، لم تصل الى الزنا - والعياذ بالله - ، ولست أشجعها على ترك زوجها ، بل هي من تريد تركه ؛ لأنها غير سعيدة معه ، وستتركه عاجلاً أم آجلا، لأسباب شخصية لا علاقة لي بها على الإطلاق ، ومع هذا قررنا إنهاء علاقتنا من أجل الله تبارك وتعالى ، وأن ننتظر إلى إن نتزوج ، وقد تبنا - ولله الحمد - ، ولا أخفيكم أني ما زلت أحبها حباً جماً ، وقد قطعت لها عهداً بأن أنتظرها إلى آخر يوم في حياتي ، فإن كتب الله لنا لقاء واجتماعاً في هذه الدنيا فبها ونعمة ، وإلا فالموعد الآخرة .
وأسئلتي الآن هي :
- هل يجوز شرعاً أن تنتظر امرأة متزوجة وأن تكرس نفسك من أجلها رغم أنك متزوج ؟
- هل يصح أن ادعو الله بأن يجمعني بها في هذه الدنيا على خير وبركة ؟
- أعلم جيداً أن لزوجتي الحالية حقوقا عليّ لا يصح التفريط بها لكن لكون هذا الزواج فرض علينا فرضاً ، فإني أرى أن من الخير لكلينا أن أطلقها ؛ حتى تتزوج برجل آخر تسعد معه ، وتعيش حياة هنيئة ، أمّا أنا فأعلم من نفسي أني غير قادر على الوفاء بحقوقها . فما رأيكم ؟ وهل هناك أسباب منطقية أخرى لمفارقتها من وجهة نظركم ؟
الحمد لله.
أولا:
ما حدث من أبويك حين أجبراك على الزواج من امرأة لا تريدها أمر لا يجوز , إذ لا يحق
للوالدين ولا لأحدهما أن يجبر ولده على الزواج ممن لا يريد ، وليتأمل الوالد الذي
يريد أن يفعل ذلك في حاله ، هل كان يقبل أن يجبره أحد والديه على الزواج ممن لا
يريد ؟ بالطبع لا , فليس ذلك من مصلحة الولد في شيء ، فإن الزواج إذا لم يكن عن رضى
تام ، فإنه عرضة للفشل .
وإذا رفض الابن أو البنت تنفيذ رغبة الأب ، ورفض النكاح ممن يريده الأب ، فإنه لا
يكون عاقاً بذلك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " :وليس للأبوين إلزام
الولد بنكاح من لا يريد ، فإن امتنع لا يكون عاقاً ، كأكل ما لا يريد " انتهى من
"الاختيارات" (ص 344) . .
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : ما الحكم إذا أراد الأب أن يزوج
ابنه من امرأة غير صالحة ؟ وما الحكم إذا رفض أن يزوجه من امرأة صالحة ؟
فأجاب "لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها ، سواء كان لعيب
فيها : ديني أو خُلقي أو خلقي ، وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن
يتزوجوا بنساء لا يريدوهن ، لكن يقول : تزوجها لأنها ابنة أخي ، أو لأنها من قبيلتك
، وغير ذلك ، فلا يلزم الابن أن يقبل ، ولا يجوز للوالد أن يجبره عليها .
كذلك لو أراد الولد أن يتزوج بامرأة صالحة ، ولكن الأب منعه ، فلا يلزم الابن طاعته
، فإذا رضي الابن زوجة صالحة ، وقال أبوه : لا تتزوج بها ، فله أن يتزوج بها ولو
منعه أبوه ، لأن الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شيء لا ضرر على أبيه فيه ، وللولد فيه
منفعة ، ولو قلنا : إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شيء حتى ما فيه منفعة للولد
، ولا مضرة فيه على الأب : لحصل في هذا مفاسد ، ولكن في مثل هذه الحال : ينبغي
للابن أن يكون لبقاً مع أبيه ، وأن يداريه ما استطاع ، وأن يقنعه ما استطاع " .
انتهى من " فتاوى المرأة المسلمة " (2/640، 641) ، ترتيب أشرف بن عبد المقصود .
ثانيا:
من حق زوجك عليك أن تعاشرها بالمعروف , وأن تحسن صحبتها ما دامت في عصمتك , وأن
تعطيها جميع حقوقها ، قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/ من الآية 228 ، وقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/ من الآية 19 .قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -
: " وهذا يشمل المعاشرة القولية ، والفعلية ، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته ببذل
النفقة ، والكسوة ، والمسكن ، اللائق بحاله ، ويصاحبها صحبة جميلة ، بكف الأذى ،
وبذل الإحسان ، وحسن المعاملة ، والخلق ، وأن لا يمطلها بحقها ، وهي كذلك عليها ما
عليه من العشرة ، وكل ذلك يتبع العرف ، في كل زمان ، ومكان ، وحال ، ما يليق به" .
انتهى من " تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام " ( ص132 ) .
فإن لم تستطع إعطاءها حقوقها
من العشرة الحسنة : فسرحها بالمعروف ، وتخلص من عذابك بها ، وعذابها بك ؛ قال تعالى
: ( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) البقرة/ من
الآية 231 .
ولكن تنبه قبل الإقدام على
الطلاق إلى أمر مهم نبه عليه القرآن الكريم , وهو أنك إن كنت تكره زوجتك لعدم
التوافق بينكما ، فقد يجعل الله سبحانه في إمساكها وعدم طلاقها خيراً عظيماً عميماً
، إذا تجاوزت الماضي بما فيه ، وجاهدت نفسك على إعطائها حقوقها ، وتقبلتها ،
وتقبلتك ؛ فقد تُرزق أنت بسبب تدينها ، وطاعتها ، ودعائها ، وقد تُرزق منها بذرية
صالحة طيبة ، تكون لك ذخراً في الدنيا ، والآخرة ، قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/ من الآية 19 .
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله : " وقوله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ
فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً ) ، أي :
فعَسَى أن يكون صبركم ، مع إمساككم لهن وكراهتهن : فيه خير كثير لكم ، في الدنيا
والآخرة ، كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يَعْطف عليها ، فيرزقَ منها ولداً
، ويكون في ذلك الولد خير كثير ، وفي الحديث الصحيح : ( لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً ،
إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ منها آخر ) انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 2 / 243 )
.
ثالثا:
أما تعلقك بهذه المرأة المتزوجة فأمر لا بد من مجاهدته جهادا كبيرا , وقطع ما عسى
أن يترتب عليه من تعاملات ظاهرة , فلا تنشغل بها , ولا تتدخل في أمورها , ولا
تتواصل معها , ولا تنتظر منها قليلا أو كثيرا , خصوصا وأنه قد كان بينكما قبل
زواجها أمور فيها معصية لله سبحانه وتعد لحدوده , فلا تأمن أن يستدرجكما الشيطان
فتنتكسا في السوء مرة أخرى .
وأما انتظارها عسى أن تتاح لك فرصة للزواج منها دون أن تتدخل للإفساد بينها وبين
زوجها فأمر لا ننصحك به , فربما تستمر حياتها مع زوجها ولا تنفصل عنه بطلاق ونحوه ,
فتظل أنت تكابد مرارة الصبر وحرارة الترقب فيضيع منك العمر عبثا وتفوتك فرصة الزواج
وهذا أمر لا يُقْدم عليه عاقل إذ لا مصلحة فيه .
بل إن ما ذكرته من أنك قطعت لها عهدا أن تنتظرها ، مع أنها متزوجة : هو تخبيب واضح
، وإفساد لها على زوجها ، خاصة وبينهما من النفرة أو المشكلات ، كما ذكرت أنت ما
بينهما ، فكم من زوجة تصطبر على ما تلاقيه من زوجها ، وترى أو وجودها معه خير ، ولا
تفكر في أن تنفصل عنه ، لأنها لا ترى حلا آخر ، وترضى بقدرها ؛ حتى إذا ما بدا لها
أمل أو طمع ، أنها متى تركته وجدت غيره : سعت في التطلق منه ، لتتزوج بمن رغبته .
وينظر حكم زواج الرجل بامرأة تطلقت لأجله : جواب السؤال رقم : (84849)
.
وأما الدعاء بأن يرزقك الله
سبحانه الزواج منها ، وهي متزوجة : فلا يجوز ؛ لأن فيه اعتداء على حق زوجها ، كما
سبق بيانه في الفتوى رقم : (138396).
والله أعلم .