حكم العمل في قطاع صناعة الطيران الحربي والمدني
ما حكم العمل في شركة عالمية تختص في صناعة معدات الطائرات المدنية والحربية ؟
وهل بالعمل بها نكون قد ساهمنا في قتل الأبرياء بلا قصد ؟
الجواب
الحمد لله.
لجواب هذا السؤال لا بد من تفصيل الحكم بحسب القطاع الذي سيتخصص فيه العامل في
مصانع معدات الطيران وقطعها .
فإذا كان عمل الموظف سيتعلق بالقطاع المدني من الطيران ، فلا حرج عليه فيه ، سواء
كانت الوظيفة إدارية أم مباشرة في التصنيع ، فالطيران المدني قطاع مباح في أصله ،
والحرام الذي قد يقع فيه أحيانا كنقل بعض المحرمات أو السماح بها على متن الطائرة
هو حرام عارض طارئ ، لا يقتضي الفتوى بتحريم العمل في هذا المجال كله ، وإلا انسدت
أبواب المباح كلها .
أما إذا كان العمل سيكون في القطاع الحربي فالعمل فيه يختلف حكمه باختلاف الجهة
صاحبة العمل ، ونوع السلاح المنوي تطويره ، ومدى التزام الدولة أو الشركة بالقوانين
الدولية التي تمنع استعمال سلاح الطيران أو بيعه لارتكاب الاعتداءات المنظمة أو
الفردية ، ومدى ضمان أن لا تؤول تلك الأسلحة إلى الجهات المعتدية على المسلمين في
مشارق الأرض ومغاربها ، ونحو ذلك من القضايا التي لا يقطع فيها سوى مراكز الدراسات
المتخصصة ، ومعلومات وزارات الدفاع في تلك الدول .
لذلك فالإجابة على هذا السؤال بنص صريح بالتحريم أو الجواز غير ممكن قبل وجود تلك
الدراسة .
إلا أن القاعدة الشرعية في هذا الباب ، قول الله عز وجل : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2.
وقد يمكنك تطبيق هذه القاعدة بنفسك ، بحكم اطلاعك وتخصصك . وإن أشكل عليك الأمر
فالجأ إلى الاحتياط ، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، واترك عنك شبهة الإعانة على
الفساد في الأرض ، خاصة وأن ضبط هذا الأمر متعذر جدا ، وليست كل الدول على شاكلة
واحدة ، فالعالم اليوم يكثر فيه التجبر والاستكبار في الأرض ، وتنتشر فيه صور
الاستعمار الجديد ، ونشر الفوضى في العالم ، وصناعة الاحتلال ، والمسلم لا يرضى ولا
يجوز له أن يكون شريكا للظالم في مآسي المسلمين فقد سقط في السنوات الأخيرة مئات
الآلاف من الضحايا بفعل آلة الطيران الحربي من العدو .
وقد نص العلماء السابقين والأئمة على عدم جواز بيع السلاح لمن يحارب به المسلمين ،
ومثل ذلك تصنيعه لهم .
فقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن التجارة في النبل والسيوف والسلاح ؟
فقال : لا بأس بذلك ، ولم تزل الناس يجيزونه ، إلا أن يخاف أن يصل إلى العدو " .
انتهى من " البيان والتحصيل " (4/173) .
وقال أبو الوليد ابن رشد :
" السلاح لا يحل أن يباع من العدو ، ولا ممن يحمله إلى العدو ، فلا يحل للرجل أن
يتجر فيه إذا علم أنه يصل إلى العدو ، مثل أن يكون الذين يبتاعونه منه يخرجون إلى
بلد يحمل منه للعدو " انتهى من " البيان والتحصيل " (4/173) .
وقال الإمام النووي رحمه الله :
" بيع السلاح لأهل الحرب حرام بالإجماع ، ولو باعهم إياه لم ينعقد البيع على المذهب
الصحيح " انتهى من " المجموع " (9/431) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" الحكم في كل ما يقصد به الحرام ، كبيع السلاح لأهل الحرب ، أو لقطاع الطريق ، أو
في الفتنة... فهذا حرام ، والعقد باطل " انتهى من " المغني " (4/168) .
وقال ابن حزم :
" لا يحل بيع السلاح أو الخيل : ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين " .
انتهى من " المحلى " (7/522) .
وللتوسع يرجى مراجعة الجواب رقم : (33691)
، (192742).
والله أعلم .