الحمد لله.
هذا التبرع بالمال صدقة وليس وصية تنفذ بعد موت المتبرع .
والصدقة تنتقل إلى ملك الفقير إذا استلمها بالفعل ، أما قبل استلامه لها فإنها
باقية على ملك صاحبها .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وأمّا الصّدقة فاتّفقوا على أنّه لا يجوز الرّجوع فيها بعد القبض [أي : بعد أن
يقبضها الفقير] " انتهى من " فتح الباري " ( 5 / 235 ) .
لكن إذا عيَّن الإنسان مالا ليتصدق به ووكل غيره ليخرجه ؛ هل تزول بهذا ملكيته
للمال قبل قبض المتصدق عليه ؟
قال ابن رشد الجدّ المالكي رحمه الله تعالى :
" وسُئل ابن القاسم : عن رجل تصدق على رجل بمائة دينار ، وكتب إلى وكيل له ليدفعها
إليه ، فقدم على الوكيل بالكتاب ، فدفع إليه الوكيل خمسين ، وقال له : اذهب ، سأدفع
إليك الخمسين الباقية ، اليوم ، أو غدا ، فمات المتصدِّق قبل أن يقبض المتصدق عليه
الخمسين الباقية من الوكيل ، قال : لا شيء له منها إذا لم يقبضها حتى مات المتصدق
بها ، وليس أكثر من الخمسين التي قبض ؛ لأن الوكيل بمنزلته.
قال محمد بن رشد : هذا بيّنٌ على ما قاله ؛ لأن يد الوكيل كيد موكله ، فلا فرق بين
أن يعده بدفع بقية ما تصدق عليه هو أو الوكيل إذا مات قبل أن يدفع ذلك إليه .
وبالله التوفيق " .
انتهى من "البيان والتحصيل " ( 13 / 432 ) .
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى :
" من دفع الي وكليه أو ولده أو غلامه أو غيرهم شيئا يعطيه لسائل أو غيره صدقة تطوّع
، لم يزل ملكه عنه حتّى يقبضه المبعوث إليه ، فإن لم يتّفق دفعه إلى ذلك المعين
استحب له ألا يعود فيه ، بل يتصدّق به على غيره ، فإن استردّه وتصرّف فيه جاز لأنّه
باق على ملكه " .
انتهى من " المجموع شرح المهذب " ( 6 / 239 ) .
وعليه ؛ فهذا المال الذي في
يد الوكيل ما زال لم يخرج من ملك المتصدق ولم يدخل في ملك الفقير ؛ فهو للورثة
يتصرفون فيه كما يريدون إن أرادوا أمضوا الصدقة ، وإن أرادوا تقاسموه بينهم وفق
القسمة الشرعية .
والله أعلم .