ما حكم قول القائل : " تعجبني الكتابة باليد اليسرى " ؟
ما حكم إذا قال الشخص تعجبني الكتابة باليد اليسرى ، ربما هو لا يكتب بيده اليسرى ، ولكن دائما يقول تعجبني الكتابة باليسار ، فهل يعتبر مخالفا للرسول ويأثم ؟ مع أنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ، فهل يأثم أم لا بأس بقوله ، وماذا عليه إن كان يحب قول ذلك ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
ذكر أهل العلم رحمهم الله : أن ما كان من باب التكريم والتشريف ، فالسنة فيه أن
يباشره الإنسان بيمناه .
قال النووي رحمه الله : " قَوْل عائشة رضي الله عنها : ( كَانَ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ التَّيَمُّن فِي طُهُوره إِذَا تَطَهَّرَ , وَفِي
تَرَجُّله إِذَا تَرَجَّلَ , وَفِي اِنْتِعَاله إِذَا اِنْتَعَلَ ) هَذِهِ قَاعِدَة
مُسْتَمِرَّة فِي الشَّرْع , وَهِيَ أنَّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التَّكْرِيم
وَالتَّشْرِيف : كَلُبْسِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَدُخُول الْمَسْجِد
وَالسِّوَاك وَالِاكْتِحَال , وَتَقْلِيم الْأَظْفَار , وَقَصّ الشَّارِب ,
وَتَرْجِيل الشَّعْر وَهُوَ مَشْطُهُ , وَنَتْف الْإِبِط , وَحَلْق الرَّأْس ,
وَالسَّلَام مِنْ الصَّلَاة , وَغَسْل أَعْضَاء الطَّهَارَة , وَالْخُرُوج مِنْ
الْخَلَاء , وَالْأَكْل وَالشُّرْب , وَالْمُصَافَحَة , وَاسْتِلَام الْحَجَر
الْأَسْوَد , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُسْتَحَبّ التَّيَامُن
فِيهِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلَاء وَالْخُرُوج مِنْ
الْمَسْجِد وَالِامْتِخَاط وَالِاسْتِنْجَاء وَخَلْعِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل
وَالْخُفّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَيُسْتَحَبّ التَّيَاسُر فِيهِ , وَذَلِكَ
كُلّه بِكَرَامَةِ الْيَمِين وَشَرَفهَا . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى من " شرح صحيح
مسلم " للنووي (3/160) .
ثانياً :
الكتابة بالقلم نعمة من نعم الله على خلقه ، وهي من أعظم وسائل التعليم والتعلم ،
والإنسان يشرف بشرف ما يحمله من العلم ، ولذلك كانت هذه النعمة من نعم الله تعالى
العظمى على الإنسان ، قال الله تعالى : ( الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) سورة العلق
/ 4 ، وقال تعالى : ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) سورة القلم / 1 .
قال القرطبي رحمه الله :
" قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) يَعْنِي الْخَطَّ
وَالْكِتَابَةَ ، أَيْ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ الْخَطَّ بِالْقَلَمِ ، وَرَوَى
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : الْقَلَمُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
عَظِيمَةٌ ، لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقُمْ دِينٌ ، وَلَمْ يَصْلُحْ عَيْشٌ ، فَدَلَّ
عَلَى كَمَالِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ ، بِأَنَّهُ عَلَّمَ عِبَادَهُ مَا لَمْ
يَعْلَمُوا ، وَنَقَلَهُمْ مِنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ إِلَى نُورِ الْعِلْمِ ،
وَنَبَّهَ عَلَى فَضْلِ عِلْمِ الْكِتَابَةِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ
الْعَظِيمَةِ ، الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا هُوَ ، وَمَا دُوِّنَتِ
الْعُلُومُ ، وَلَا قُيِّدَتِ الْحِكَمُ ، وَلَا ضُبِطَتْ أَخْبَارُ الْأَوَّلِينَ
وَمَقَالَاتُهُمْ ، وَلَا كُتُبُ اللَّهِ الْمَنْزَلَةُ إِلَّا بِالْكِتَابَةِ ،
وَلَوْلَا هِيَ مَا اسْتَقَامَتْ أُمُورُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا " .
انتهى من " تفسير القرطبي " (20/120) .
فإذا كانت الكتابة بالقلم تشريفاً وتكريماً لصاحبها ؛ لكونه قد ارتفع شأنه بذلك
العلم ، فمن المناسب لذلك التشريف أن تكون الكتابة باليد اليمنى لمن استطاع ذلك .
وقد سئل الشيخ ابن باز : هل يجوز أن أكتب أسماء الله باليد اليسرى ؛ لأني لا أعرف
أن أكتب إلا باليد اليسرى ؟
فأجاب رحمه الله : " لا حرج في ذلك ؛ لأنك معذورة ، أما السليم فالسنة أن يكتب
باليمنى " . انتهى من " نور على الدرب " للشيخ ابن باز .
http://www.binbaz.org.sa/mat/9188
وقول القائل : " تعجبني الكتابة باليد اليسرى " ينبغي أن يُسأل : ماذا يرد بهذا
القول ؟
والغالب أنه لن يريد مخالفة آداب الشريعة الإسلامية ، وإنما يريد بذلك : أن غالب من
يكتبون باليد اليسرى يكون خطهم حسنا جميلا ، كما هو الواقع ، فإن كان قصده ذلك فلا
حرج عليه .
والله أعلم .