تزوجت من شيعي قبل أن تعرف حقيقة مذهبهم ، فماذا تفعل الآن ؟
تزوجت أختي من شاب شيعي ، والآن لديها منه أطفال ، وبعد أن عرفنا حقيقة الشيعة ندمنا على هذا الزواج ، ولكنا نعيش في مجتمع شيعي ، ونحن محاربون لا نستطيع أن نقول : طلقوا أختي لأننا مستضعفون .
السؤال : هل تطلق أختي ؟ ، وما حكمها إن استمرت معه ؟
وماهو مصير الأـطفال في هذه الحالة ؟
وماذا نفعل ، فنحن لا نستطيع السفر ، ولا توجد دولة تستقبلنا ؟
وهل نأثم بهذا مع العلم أن زوجها يعتقد بعقائد الشيعة التي تعرفونها ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
الابتلاء من سنن الحياة ، فالله تعالى يبتلي عباده المؤمنين بأنواع البلاء ، وقد
يسلط عليهم الأعداء تمحيصا لهم ، ورفعة في درجاتهم ، وتكفيرا عن سيئاتهم ، مع أنه
تعالى قادر على إهلاك الظالمين والانتصار منهم كما قال جل وعلا : (ذَلِكَ وَلَوْ
يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) محمد/ 4
.
الابتلاء طريق تعرض له المصطفون الأخيار من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة
والسلام ، فهو سبيل المرسلين ومن سلك طريقهم في كل زمان و مكان ( أَمْ حَسِبْتُمْ
أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ
الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ
اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة/ 214 .
فتأمل في قصص الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد عليهم جميعاً أزكى
الصلاة وأتم التسليم ، كم هي مليئة بالابتلاءات والمعاناة ، وانظر إلى قصص الصحابة
رضوان الله عليهم ، ماذا فُعل ببلال ؟! وماذا فُعل بعمار وآل ياسر وصهيب ؟!
حتى قال خباب بن الأرت بعدما عانى وأصحابه شدة أذى كفار قريش : " شَكَوْنَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً
لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ
تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ؟ ".
فقَالَ عليه الصلاة والسلام: ( كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ
فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى
رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ،
وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ،
وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ ،
حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلَّا
اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) رواه
البخاري (3612) .
فعليكم بالصبر ولاحتساب ؛ لتنالوا أجر الصابرين ؛ فإنه طريق الجنة وسبيل الرفعة
والتمكين كما قال تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل
عمران/ 142.
ثانياً :
من لم يستطع أن يقيم دينه أو لا يأمن على نفسه من الاضطهاد والقتل أو التعذيب ،
فالواجب عليه أن يهاجر إلى حيث يستطيع إقامة الدين والأمن على النفس ، كما فعل
النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في الهجرة إلى المدينة ، وقبل ذلك الهجرة إلى
الحبشة .
ومن لم يتمكن من الهجرة والفرار بدينه فإنه مستضعف ، والواجب في حقه : أن يُظهر ما
استطاع من دينه ولا يوآخذ بترك الهجرة وعدم إظهار الدين مما يخشى بإظهاره الهلاك
كما قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي
أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ
قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا
يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ
اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء/ 97 - 99 .
ثالثاً:
أما بقاء أختك مع زوجها الرافضي ، فإن كان يدين بعقائد الرافضة الشركية والكفرية
كالاستغاثة بغير الله ، واعتقاد تحريف القرآن ونحوها ، فإنه لا يجوز لها البقاء معه
، لقوله تعالى: ( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى
الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الممتحنة/ 10 .
قال ابن كثير -رحمه الله- في " تفسيره " (8/ 93) : " هذه الآية حَرّمَت المسلمات
على المشركين ، وقد كان جائزًا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ". انتهى
.
وعليه ، فالواجب أن تمتنع عن معاشرته ، ثم تسلك معه مسلك الدعوة إن كان قريبا من
السُّنة واستطاعت التأثير عليه ، ونجحت في دعوته وإقناعه بالانتقال إلى السُّنة ولو
سرا دون أن يجهر بها إذا كان يخاف على نفسه من بني قومه ، فإنها تبقى معه حتى يفرج
الله عنهما ، ولكن لا بد من تجديد عقد النكاح ؛ لأنه لم يكن على التوحيد حين تزوجها
، أما أولادهما فنسبهم لأبيهم على الأصل ؛ لأنه نكاح شبهة ، أي : شبهة الظن بأنه
نكاح صحيح .
وإن كانت لا تستطيع دعوته وتخشى على نفسها إن علم بأنها على السُّنة أن يؤذيها ،
فلا تصرح له بذلك ، وتسعى في الانفصال عنه والخلاص منه ، فإن استطاعت أخذ أطفالها
معها فهذا هو الواجب حتى لا تتأثر عقيدتهم ، وإن لم تستطع فالواجب عليها خلاص نفسها
والله يتولى أمر أطفالها .
أما إذا كانت لا تستطيع الانفصال عنه خوفاً على نفسها من القتل أو التعذيب ونحو ذلك
، فإنها تأخذ حكم المستضعفين الذين لا يؤاخذون ببقائهم مع المشركين كما في الآية
السابقة ، ولكن تحاول قدر المستطاع البعد عن معاشرته ولو بتقليل اللقاء واختلاق
المبررات لذلك ، حتى يفرج الله عنها ، وتتمكن من الفرار منه والخلاص .
نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يتولاكم وجميع المستضعفين برحمته ، وأن يفرج عنكم
هذه الهموم ، وينفس عنكم الكروب ، وأن يقر أعيننا جميعاً بنصر الإسلام والسُّنة .
وينظر جواب السؤال : ( 111970) ، (44549)
.
والله أعلم .