الحمد لله.
أولا :
لا شك أن الزنا هو من أقبح القبائح ، وأشنع الفواحش التي تجلب غضب الله وعقابه على فاعله ، وقد اتفقت على تشنيعها والتنفير منها الشرائع السماوية جميعا ، بل والفطر السوية أيضا ؛ حتى لقد روى البخاري (3849) عن عمرو بن ميمون الأودي ، وهو من كبار التابعين ، قال : ( رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ ، قَدْ زَنَتْ ، فَرَجَمُوهَا ، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ ) !!
وينظر جواب السؤال رقم 20983 ورقم 128111 ورقم 115486
ثانيا
من أسرف على نفسه بالذنوب ثم تاب توبة صادقة ، تامة الشروط : بأن أقلع عن الذنب وندم على ما فات ، وعزم على عدم العودة إليه ، تاب الله عليه وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر ، فإن قدر أنه وقع في الذنب مرة أخرى ، فإنه يعود للتوبة مجددا ولا ييأس من رحمة الله ، ثم لا يتجرأ عليه ، ولا يأمن من مكر الله ؛ بل يسير إلى ربه بين الأمرين ؛ قال تعالى ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر : 53 .
وقد قيل للحسن البصري رحمه الله : ألا يستحي أحدنا من ربه ، يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال : " ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار " . انتهى من كتاب " التوبة لابن أبي الدنيا " (ص/ 119) .
ومن كرمه وإحسانه سبحانه ، أنه يبدل سيئات التائب حسنات ، مهما كان ذنبه ، ومهما عظم جرمه ، كما قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70.
وما ذاك إلا لأن الله عز وجل يحب توبة عبده ، ويفرح بها أشد من فرح رجل وجد بعيره من غير قصد وقد أضاعه في صحراء قاحلة ، قال صلى الله عليه وسلم ( الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم ، سقط على بعيره ، وقد أضله في أرض فلاة ) رواه البخاري (6309) ومسلم (2675) .
وكم من مذنب مسرف على نفسه ، مستوجب للقتل والتقطيع إربا ، تاب ، فتاب الله عليه ، وقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ( كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ، ثم خرج يسأل ، فأتى راهبا فسأله فقال له : هل من توبة ؟ قال : لا ، فقتله ، فجعل يسأل ، فقال له رجل : ائت قرية كذا وكذا ، فأدركه الموت ، فناء بصدره نحوها ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي ، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي ، وقال : قيسوا ما بينهما ، فوجد إلى هذه أقرب بشبر ، فغفر له ) أخرجه البخاري برقم (3470) ومسلم برقم (2766) .
وينظر جواب السؤال رقم (13990) ، ورقم (45887) .
ثالثا :
وأما ما ذكرته من إخبار الزوجة بما قد كان منك ، فهذا من وسوسة الشيطان لك ، يريد أن يزرع بذور الشقاق بينك وبين زوجتك ، حتى إذا ما تم زواجكما ، وأنستما إلى بعضكما ، جاء فسقى هذه البذرة ، فأنبتت بينكما المصائب والمتاعب ، فالحذر الحذر من اتباع خطوات الشيطان وقد قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) سورة النور : 24 .
فلا ينبغي لرجل عاقل أن يقدم على إخبار زوجته – ولا غيرها - بما قد كان منه ، من أمور قد سترها الله عليه ، فإن من إحسان الله تعالى على عبده أن يستره ، ولا يكشف أمره ، ولهذا كان من القبيح أن يفضح الإنسان نفسه وقد ستره الله ، بل ينبغي أن يستتر بستر الله تعالى .
قال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل ) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (663)/.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه :
" ويؤخذ من قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ، ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز . وأن من اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترته بثوبك لكان خيرا لك " ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أحب لمن أصاب ذنبا فستره الله عليه : أن يستره على نفسه ويتوب ، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر . وفيه : أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها ، ولا يخبر بها أحدا ، ويستتر بستر الله ، وإن اتفق أنه أخبر أحدا : فيستحب أن يأمره بالتوبة وستر ذلك عن الناس كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر " انتهى من "فتح الباري" (12/124) .
على أنه لا يحل لك أيضا : أن تقدم على الزواج من فتاة خيِّرة صالحة ، وأنت بهذه الحال ، حتى تتوب إلى ربك توبة نصوحا صادقة ، تقلع فيها عما سلف منك ومضى ، وتندم عليه ، وتعزم بصدق أنك لن تعود إلى ذلك أبدا ، وقد من الله عليك بالحلال الذي يكفيك ، وتعاهد ربك ، ذا الجلال والإكرام على ذلك .
ثم نحن نشير عليك أن تترك ذلك المكان الذي ارتكبت فيه كل ما ارتكبت ، وتيسرت لك فيه المعصية ، وتقطع سبل التواصل مع أهلها الذين شاركوك فيها وأعانوك عليها ، فتغير عنوان إقامتك ، وبريدك الإلكتروني ، ورقم هاتفك ، وتقطع كل سبيل يمكن أن يتواصل معك قرناء السوء ، أو تتواصل معهم من خلالها ؛ شريطة أن تكون صادقا في هذه القطيعة ، ولا تدع لك نسخة احتياطية ، تستعملها ، حينما تدعوك نفسك إلى ذلك .
وللفائدة يرجى مراجعة السؤال رقم (83093) .