الحمد لله.
ثانيا :
للعلماء في قوله تعالى : ( ضَيِّقًا حَرَجًا ) أقوال :
الأول : أنه من باب توالي الخاص بعد العام ، وليس من التكرار .
قال شهاب الدين الحلبي في "الدر المصون" (5/ 142):
" حَرَجاً وحَرِجاً - بفتح الراء وكسرها: هو المتزايد في الضيق ، فهو أخصُّ من
الأول، فكلُّ حَرَج ضيق من غير عكسٍ " ، إلى أن قال :
" وقد ظهر لك ممَّا تَقَدَّم أنَّ قوله ( ضيقاً حَرَجاً ) ليس فيه تكرار " .
"الدر المصون" (5/ 145).
وقال ابن القيم رحمه الله :
" الحرج هو الشديد الضيق في قول أهل اللغة جميعهم "
"شفاء العليل" (ص 106).
وقَالَ الزّجاج: "الحرج في اللغة: أضيق الضيق ، فالمعنى عند أهل اللغة إنَّه ضيق
جدًّا "
"معاني القرآن" (2/ 290) ، وانظر : "تفسير القرطبي" (7/ 82) ، "زاد المسير" (2/75)
، "تهذيب اللغة" (4/ 84).
الثاني : أن الحرج يطلق على عدة معان ، والضيق أحد لوازمه ومعانيه .
قال في "النهاية" (1/ 361):
" الحَرَجُ فِي الْأَصْلِ: الضِّيقُ، ويَقَع عَلَى الإثْم وَالْحَرَامِ "
وفِي مفرداتِ الرّاغِب :
" الحَرَجُ: اجتماعُ أَشْياءَ، ويلزَمُه الضِّيقُ، فاستُعْمِل فِيهِ، ثمَّ قيل:
حَرِجَ، إِذا قَلِقَ وضاقَ صدرُه، ثمَّ استُعملَ فِي الشَّكّ لأَنّ النّفْس تَقلقُ
مِنْهُ، وَلَا تَطْمَئنُّ " .
"تاج العروس" (5/ 474).
فهو فوق أنه ضيق الصدر : واقع في الإثم ، شاك ، قلق النفس ، غير مطمئن .
الثالث: أن الحرج في معنى الضيق ، ولكنه كرر للتأكيد ، كقول الشاعر :
وألفَى قولَها كَذِباً ومَيْنا
والكذب هو المين .
وقوله :
وهندٌ أتى مِنْ دونها النَّأْيُ والبُعْدُ
والنأي هو البعد .
قال مكي بن أبي طالب : " ومعنى حَرِج : كمعنى ضيق ، كرِّر لاختلاف لفظه للتأكيد " .
"الدر المصون" (5/ 145).
وقال ابن عاشور رحمه الله : " وإتْباع الضيِّق بالحرج : لتأكيد معنى الضيق ، لأنّ
في الحرج من معنى شدّة الضّيق ما ليس في ضيق " انتهى، من "التحرير والتنوير"
(9/445) .
وعلى ذلك : فإذا قلنا إن في الآية تكرارا ، فالمراد منه التأكيد .
وإن لم يكن فيها تكرار ، ففيها مزيد فائدة ، كما سبق ، وفي الجمع بينهما إشارة إلى
ما يحصل له من الضيق ، والقلق ، والشك ، والريبة ، والوقوع في الإثم .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (146210).
والله تعالى أعلم .