الحمد لله.
قال الإمام النووي رحمه الله
:
" واعلم أن الصف الأول الممدوح الذي قد وردت الأحاديث بفضله ، والحث عليه : هو الصف
الذي يلي الإمام ، سواء جاء صاحبه متقدما أو متأخرا ، وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم
لا ، هذا هو الصحيح الذي يقتضيه ظواهر الأحاديث ، وصرح به المحققون " .
انتهى من " شرح مسلم للنووي " .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" الصف الأول هو الذي خلف الإمام ، فأول صف يلي الإمام هو الصف الأول ، والذين
يصفون عن يمينه وشماله لا يكون لهم ثواب الصف الأول ؛ لأن هذا الموقف – يعني : موقف
المأموم عن اليمين وعن الشمال - هو من الأمور الجائزة ، وليس من الأمور المستحبة ،
فموقف المأموم وراء الإمام هو السنة بلا شك " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " .
فعلى هذا ، فالصف الأول في
المسجد الحرام بالنسبة للجهة التي فيها الإمام ، سواء كان الإمام قريباً من الكعبة
أو متأخراً عنها ، كأن يصلي الإمام خلف المقام – مثلاً - ، هو الصف الذي خلف الإمام
.
وأما بالنسبة للجهات الأخرى
التي يستدير فيها المصلون حول الكعبة ، من غير جهة الإمام ، فهؤلاء قد وقع الخلاف ،
هل يدركون فضل الصف الأول أو لا ؟ على قولين :
القول الأول : أن من كان
قريباً من الكعبة ، وهو في غير جهة الإمام ، فهو مدرك لفضل الصف الأول .
جاء في " فتاوى الرملي "
(1/239) : " سئل هل الصف المستدير حول الكعبة ، المتصل بما وراء الإمام : هل يسمى
صفا أول ، وكذلك من في غير جهته ، وهو أقرب إلى الكعبة منه ؟
فأجاب رحمه الله : بأن الصف
الأول صادق على من ذُكر ، إذا لم يفصل بينه وبين الإمام صف " انتهى .
وجاء في " تحفة الحبيب على
شرح الخطيب " (2/134) : " وقال شيخنا م ر ، هو ، أي الصف الأوّل مِن المستديرين :
الأقرب إلى الكعبة ، في غير جهة الإمام . ا هـ " انتهى .
وقال الشيخ محمد بن محمد
المختار الشنقيطي حفظه الله : " فإنه يرد السؤال : هل العبرة في الصف الأول بمن يلي
الإمام من حدِّه ، دائراً على الكعبة ؟ أم العبرة في الصف الأول في غير جهة الإمام
، بمن كان أقرب للكعبة ؟
وجهان للعلماء : أصحهما وأقواهما : أن من كان أقرب للكعبة ، فإنه هو الصف الأول ؛
لأنه لما أُذِن بالشرع بتقدمهم ، فإنه يعتبر صفهم هو الأول ، ولا يستقيم أن يُقال
عن صف : إنه الصف الأول ، وقد تقدم عليه غيره ؛ لأن الوصف لا يتحقق ، لقوله عليه
الصلاة والسلام : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ) .
فالصف الأول من غير جهة
الإمام الذي أذن به الشرع : هو أقرب الصفوف إلى الكعبة ، فكما أن الصف الأول من جهة
الإمام أقربها إليه ، كذلك من غيرها : الصف الأول أقربها إلى الكعبة ، وهو أولى
الأقوال وأقواها إن شاء الله تعالى " انتهى من " شرح الزاد للشنقيطي " .
والقول الثاني في المسألة :
أن الصف الأول هو الصف الذي يلي الإمام في جهة الإمام ، وما اتصل بذلك الصف من
الجهات الأخرى .
وعليه : فالمتقدم من الصفوف من الجهات الأخرى إلى الكعبة : إذا لم يكن متصلاً بالصف
الذي يلي الإمام ، فلا يعد داخلاً في الصف الأول .
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " والصف الأول في غير جهة الإمام ، ما اتصل بالصف
الذي وراء الإمام ، لا ما قرب للكعبة " انتهى من " تحفة المحتاج في شرح المنهاج "
(8/154).
وقال البهوتي ، رحمه الله :
" وإن وقفوا حول الكعبة مستديرين : صحت ، فإن كان المأموم في جهته أقرب من الإمام
في جهته : جاز إن لم يكونا في جهة واحدة " انتهى .
قال ابن قاسم في "حاشيته" :
" كما فعله ابن الزبير، وأجمعوا عليه ، ولا يضر تقدم المأموم حيث كان في الجهة
المقابلة للإمام لأنه في غير جهته ، ولا يتحقق تقدمه عليه ، وقال في الفروع : يجوز
تقديم المأموم في جهتين وفاقًا .
والصف الأول حينئذ ، في غير جهة الإمام : هو ما اتصل بالصف الأول الذي وراء الإمام
، لا ما قرب من الكعبة " انتهى من "الروض المربع ، وحاشية ابن قاسم " (2/335) .
وجاء في " مجموع فتاوى ابن
عثيمين " (13/21) : " يسأل كثير من الناس أين الصف الأول في المسجد الحرام ؟
فأجاب رحمه الله : " الأول ما كان خلف الإمام ، ونمشي حتى ندور كل الكعبة ، أما من
كان على يمين الإمام أو يساره ، فإن له حكم الصلاة على يمين الإمام وعلى يساره "
انتهى .
وقال رحمه الله – أيضاً - :
" الصف الأول هو الذي خلف الإمام ، ودائرته هي الصف الأول . وعلى هذا فما بين يدي
هذا الصف مع الجهات الأخرى لا يعتبر الصف الأول " .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (13/41) .
والله أعلم .