الحمد لله.
إذا زاد الإمام في صلاته
ركوعاً على سبيل السهو ، والتحق به المأموم المسبوق أثناء هذا الركوع الزائد : فإنه
لا يُعدُّ مدركاً للركعة ، ويلزمه بعد سلام الإمام أن يقوم بقضاء ركعة كاملة .
وذلك لأن الركوع الذي زاده الإمام - وإن كان معذوراً فيه - في حكم اللغو الذي لا
اعتبار له .
قال الإمام الشافعي : " وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ فَاطْمَأَنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاسْتَوَى قَائِمًا ... ثُمَّ عَادَ فَرَكَعَ
لِيُسَبِّحَ ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ رَاكِعًا ، فَرَكَعَ مَعَهُ
: لَمْ يُعْتَدَّ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَكْمَلَ
الرُّكُوعَ أَوَّلًا ، وَهَذَا رُكُوعٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ " انتهى
من " الأم " (1/205) .
وقال النووي رحمه الله :
" وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إدْرَاكِ الْمَأْمُومِ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِ
رُكُوعِ الْإِمَامِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ ، بأن كان الإمام محدثاً ، أو قد سها وَقَامَ
إلَى الْخَامِسَةِ ، فَأَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فِي رُكُوعِهَا ، أَوْ نَسِيَ
تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ظَانًّا جَوَازَهُ ،
فَأَدْرَكَهُ فِيهِ : لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ
الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ
إنَّمَا يَسْقُطَانِ عن المسبوق ، لأن الإمام يحملها عنه ، وهذا الإمام غيرُ حاملٍ
، لأن الرُّكُوعَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ .
وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا ، وَهُوَ ضَعِيفٌ " انتهى من " المجموع
شرح المهذب " (4/216) .
وقال أيضا :
" إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ ، فَاعْتَدَلَ ، ثُمَّ تَذَّكَّرَهُ
لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ لِيُسَبِّحَ ; لِأَنَّ التَّسْبِيحَ
سُنَّةٌ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ الِاعْتِدَالِ الْوَاجِبِ إلَيْهِ .
فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ , وَلَا يَصِحُّ
اقْتِدَاءُ أَحَدٍ بِهِ .
وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ
مَعْذُورٌ.
وَلَكِنَّ هَذَا الرُّجُوعَ لَغْوٌ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ صَلَاتِهِ , فَإِنْ
اقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ , وَالْحَالَةُ هَذِهِ , وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ الَّذِي
هُوَ لَغْوٌ ، وَالْمَسْبُوقُ جَاهِلٌ بِالْحَالِ : صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ , وَهَلْ
تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ هَذَا الرُّكُوعِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ
: ( الصَّحِيحُ ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ , وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ :
أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ ; لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَغْوٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ , وَكَذَا
فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ , وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ فِي الرُّكُوعِ , وَإِنَّمَا
هُوَ فِي الِاعْتِدَالِ حُكْمًا ، وَالْمُدْرِكُ فِي الِاعْتِدَالِ لَا تُحْسَبُ
لَهُ الرَّكْعَةُ.
( وَالثَّانِي ) : تُحْسَبُ . وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ
الْإِمَامَ فِي خَامِسَةٍ قَامَ إلَيْهَا جَاهِلًا ، وَأَدْرَكَ مَعَهُ الْقِيَامَ
, وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ , فَإِنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ لِلْمَسْبُوقِ ,
وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ .
وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْخَامِسَةِ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ
لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا ; لِأَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ أَدْرَكَهَا
بِكَمَالِهَا , وَلَمْ يَحْمِلْ الْإِمَامُ عَنْهُ شَيْئًا وَفِي مَسْأَلَتِنَا
لَمْ يُدْرِكْ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ , وَلَا الرُّكُوعَ الْمَحْسُوبَ
لِلْإِمَامِ , فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ " انتهى من " المجموع " (4/217) .
وقال ابن نُجيم الحنفي رحمه الله : " إمَامٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ، فَلَمَّا رَكَعَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ، ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فَرَجَعَ وَقَرَأَ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَرَأَ السُّورَةَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ وَدَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ ، ثُمَّ رَكَعَ ثَانِيًا ، فَإِنَّ هَذَا الْمَسْبُوقَ يَصِيرُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ ، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ الْأَوَّلُ كَانَ فَرْضًا تَامًّا ، وَالْآخَرُ نَفْلًا ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمَسْبُوقَ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ " انتهى من " البحر الرائق " (2/82) .
وكذلك ذكر القرافي في " الذخيرة " (2/307) أنه لا يُعتد بما أدركه في هذا الركوع الزائد .
وقال البهوتي : " وَمَتَى رَجَعَ إلَى الرُّكُوعِ - حَيْثُ جَازَ - وَهُوَ إمَامٌ ، فَأَدْرَكَهُ فِيهِ مَسْبُوقٌ : أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكَعَ ثَانِيًا نَاسِيًا " انتهى من " شرح منتهى الإرادات " (1/229) . وينظر : " الإنصاف" للمرداوي (2/146) .
وبهذا يكون القول بعدم
الاعتداد بما أدركه المسبوق مع الإمام في مثل هذه الحال : هو ما عليه المذاهب
الأربعة .
ولا يصح تخريج هذه المسألة على قول من قال من العلماء : إن المسبوق يعتد بالركعة
الخامسة ، التي يزيدها الإمام إن أدركه فيها ، لما بين الصورتين من الاختلاف ، كما
سبق تقريره للإمام النووي رحمه الله .
والحاصل:
أن المسبوق لا يعتد بهذا الركوع الزائد الذي أدركه مع الإمام ؛ لأنه لغو .
والواجب عليك إخباره بحقيقة الحال ، ليستدرك ما فاته بإعادة الصلاة ، إن كنت تعرفه
.
وينظر للفائدة جواب السؤال
رقم : (87853) ، (49046)
.
والله أعلم