الحمد لله.
أولاً :
ثبت بالسنة النبوية الصحيحة وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام وهي : الإبل والبقر
والغنم ، إلا أن هذا الوجوب مقيد بشرطين :
الأول :
أن تكون سائمة ، بمعنى أنها تَعلف وحدها من الحشائش والنباتات الموجودة بالمراعي ،
وأما إذا كان صاحبها يتكلف عليها العلف أكثر السنة ، فلا زكاة فيها ، وقد سبق بيان
هذا في جواب السؤال : (40156) ، (49041)
.
الثاني :
أن يكون القصد من اتخاذها الدَّر والنسل ، أما لو اتخذها للعمل عليها في الحرث أو
السقي أو الركوب أو أي وجه من وجوه الاستعمال : فلا زكاة فيها .
وهذا ما قرره جمهور أهل العلم من أن " العوامل " لا زكاة فيها .
قال الإمام الشافعي : " وَقَدْ كَانَتْ النَّوَاضِحُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ خُلَفَائِهِ ، فَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا
يَرْوِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ مِنْهَا
صَدَقَةً ، وَلَا أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ" انتهى من " الأم " (2/ 25) .
النواضح : هي الإبل التي يستخرج بها الماء من الآبار .
وقال ابن قدامة : " وَالْعَوَامِلِ ... لَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِلْمِ " انتهى من " المغني" (4/12).
وقال النووي : " ولأن العوامل والمعلوفة لا تُقتنى للنماء ، فلم تجب فيها الزكاة ،
كثياب البدن وأثاث الدار " انتهى من " المجموع شرح المهذب " (5/355).
قال أبو عبيد : " وَمَعَ أَنَّكَ إِذَا صِرْتَ إِلَى النَّظَرِ وَجَدْتَ الْأَمْرَ
عَلَى مَا قَالُوا ، أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي الْعَوَامِلِ مِنْ جِهَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : أَنَّهَا إِذَا اعْتُمِلَتْ ، وَاسْتَمْتَعَ بِهَا النَّاسُ صَارَتْ
بِمَنْزِلَةِ الدَّوَابِّ الْمَرْكُوبَةِ ، وَالَّتِي تَحْمِلُ الْأَثْقَالَ مِنَ
الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ، أَشْبَهَتِ الْمَمَالِيكَ وَالْأَمْتِعَةَ ، فَفَارَقَ
حُكْمُهَا حُكْمَ السَّائِمَةِ لِهَذَا.
وَأَمَّا الْجِهَةُ الْأُخْرَى : أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تَسْنُو وَتَحْرُثُ [ تسنو:
أي تسقي ] ، فَإِنَّ الْحَبَّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ إِنَّمَا يَكُونُ
حَرْثُهُ وَسَقْيُهُ وَدِيَاسُهُ بِهَا، فَإِذَا صُدِّقَتْ هِيَ أَيْضًا مَعَ
الْحَبِّ ، صَارَتِ الصَّدَقَةُ مُضَاعَفَةً عَلَى النَّاسِ" انتهى من كتاب "
الأموال " (ص: 472) .
وروى أبو داود في سننه (1572) عن علي بن أبي طالب مرفوعاً: ( لَيْسَ عَلَى
الْعَوَامِلِ شَيْءٌ).
قال ابن حجر: " وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ " انتهى من " بلوغ المرام" (ص: 175)، أي :
أنه من قول علي رضي الله عنه وليس من قول الرسول صلى الله عليه وسلم .
" والمعنى ليس في التي يُسقى عليها ويُحرث عليها وتُستعمل في الأثقال زكاة ، وظاهر
الحديث سواء كانت سائمة أو معلوفة " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة" (9/173).
وعَنْ جَابِرٍ , قَالَ : " لَا يُؤْخَذُ مِنَ الْبَقَرِ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا
مِنَ الزَّكَاةِ شَيْءٌ "، رواه الدارقطني (2/493) ، وصحح إسناده البيهقي في "
السنن الكبرى " (4/196).
وعند ابن أبي شيبة (3/131) في " المصنف" بلفظ : ( لاَ صَدَقَةَ فِي الْمُثِيرَةِ ).
أي التي تثير الأرض بالحرث ، كما قال تعالى: ( إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ
تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ).
قال ابن عبد البر: " وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَمُعَاذٍ ، وَجَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ " انتهى من " التمهيد"
(20/142).
وفي " المدونة " (1/357): " وَقَالَ مَالِكٌ : مَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ أَوْ
بَقَرٌ أَوْ إبِلٌ يَعْمَلُ عَلَيْهَا وَيَعْلِفُهَا ، فَفِيهَا الصَّدَقَةُ إنْ
بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ : الْعَوَامِلُ
وَغَيْرُ الْعَوَامِلِ سَوَاءٌ " انتهى .
قال ابن قدامة : " وقَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ زَكَاةٌ ، وَأَهْلُ
الْمَدِينَةِ يَرَوْنَ فِيهَا الزَّكَاةَ ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا أَصْلٌ "
انتهى من " المغني " (4/12).
ثانياً :
الإبل المتخذة للسباق لا زكاة فيها ، سواء أكان صاحبها يعلفها أم لا ، وذلك لأنها
تعد من العوامل ، ولأن صاحبها لا يتخذها للدَّر والنسل ، بل للجري والركوب
والمسابقة ، ولا يقصد من ورائها لحماً ولا لبناً .
قال الماوردي: " وَالْعَوَامِلُ مَفْقُودَةُ النَّمَاءِ فِي الدَّرِّ وَالنَّسْلِ ،
وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّمَاءِ ، كَمَا يُنْتَفَعُ
بِالْعَقَارِ عَلَى جهة السُّكْنَى ، فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ عَنْهَا الزَّكَاةُ
كَسُقُوطِهَا عن العقار".
انتهى من " الحاوي الكبير" (3/189) .
وقال ابن القيم : " فَإِنَّ مَا كَانَ مِنْ الْمَالِ مُعَدًّا لِنَفْعِ صَاحِبِهِ
بِهِ كَثِيَابِ بِذْلَتِهِ وَعَبِيدِ خِدْمَتِهِ وَدَارِهِ الَّتِي يَسْكُنُهَا
وَدَابَّتِهِ الَّتِي يَرْكَبُهَا وَكُتُبِهِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا وَيَنْفَعُ
غَيْرَهُ : فَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ ؛ ... فَطَرْدُ هَذَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي
بَقَرِ حَرْثِهِ وَإِبِلِهِ الَّتِي يَعْمَلُ فِيهَا بِالدُّولَابِ وَغَيْرِهِ ؛
فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ ، كَمَا أَنَّهُ مُوجِبُ النُّصُوصِ ؛ وَالْفَرْقُ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّائِمَةِ ظَاهِرٌ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ مَصْرُوفَةٌ عَنْ جِهَةِ
النَّمَاءِ إلَى الْعَمَلِ ؛ فَهِيَ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّارِ " انتهى
من " إعلام الموقعين " (2/62) .
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (8/16) : " الإبل المعدة للسباق المشروع لا زكاة فيها
؛ لأنها معدة للاستعمال ، وأيضا هي معلوفة غير سائمة ، لكن إذا حصل على نقود من
جوائز السباق على هذه الإبل وبلغت نصابا وحال عليها الحول من حين تملكها وجبت فيها
الزكاة " انتهى .
وقالوا : " إذا كانت هذه الإبل معدة للسباق بقصد الحصول على الجائزة التي تمنح
لصاحب السابق منها ولم تعد للبيع - فلا زكاة فيها بنفسها ، وإنما تجب الزكاة فيما
يحصل عليه من نقود بسبقها إذا تم الحول على حصوله عليها ، وبلغت هذه النقود نصابا ،
بأن يخرج ربع العشر منها ، أي: ريالان ونصف في المائة " انتهى من " فتاوى اللجنة
الدائمة" (8/28) .
ثالثاً :
إذا قصد من اتخاذ " إبل السباق " المتاجرة بها ، وجعلها رأس مال يتجر به ، ففي هذه
الحال تزكى زكاة عروض التجارة لا زكاة السائمة .
فيتم تقييمها بحسب سعرها في السوق يوم وجوب الزكاة ويخرج عن قيمتها (2.5%) .
وينظر جواب السؤال : (130487) ، (78842)
.
والله أعلم .