الحمد لله.
القول المختار –عندنا في الموقع- فيما إذا طهرت المرأة قبل انقضاء وقت العصر أوقبل
انقضاء وقت العشاء : أنه يجب عليها الصلاة التي أدركتها ، وما يجمع إليها قبلها .
والقول الذي رجحناه هو قول جمهور العلماء ، وقال به من الصحابة عبد الرحمن بن عوف ،
وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وهو قول عامة التابعين إلا الحسن ، وقول
الشافعية والحنابلة وغيرهم ، واختاره الشيخ ابن باز ، وعلماء اللجنة الدائمة من
المعاصرين ، رحم الله الجميع .
وأما الحسن والثوري وأبو حنيفة ، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله ، فقالوا
: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها ؛ لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها ،
فلم تجب ، كما لو لم تدرك من وقت الثانية شيئا .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (82106)
.
وقد استند الجمهور في قولهم هذا ، لما روي عن الصحابيين الجليلين عبد الرحمن بن عوف
، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر
بركعة : " تصلي المغرب والعشاء , فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس , صلت الظهر والعصر
جميعا " رواهما البيهقي .
قال في " المبدع " (1/312) " ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف " انتهى .
وقال أبو بكر بن إسحاق : " لا أعلم أحدا من الصحابة خالفهما " .
انتهى من " التلخيص الحبير " (1/344) .
وأما الدليل الذي استدل به أصحاب القول الثاني فغير صريح في مسألتنا ، وإنما تكون
دلالته أوضح ، فيمن أدرك أقل من ركعة ، آخر وقت العصر ، قبل أن تغرب الشمس ، هل
يعتبر مدركا للصلاة في وقتها ، فتعد صلاته أداء ؟ أم لا يعتبر مدركا لها في وقتها
فتعد صلاته قضاء؟
فلعل هذا هو السبب في أن الجمهور لم يروا أن هذا الحديث ، يقوى على دفع قول
الصحابيين ابن عوف وابن عباس رضي الله عنهما ، لا سيما وأنه لم يعرف لهما مخالف كما
سبق .
وبما أنه لا دليل صريح في هذه المسألة ، من كتاب الله أو كلام نبيه صلى الله عليه
وسلم ، فإن الخلاف في أمثال هذه المسائل معتبر ، ولا ينبغي التثريب فيها على أحد .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " والمسألة إذا رأيت اختلاف العلماء رحمهم الله
فيها بدون أن يذكروا نصا فاصلا ، فإننا نقول : الأمر في هذا واسع " انتهى من "
الشرح الممتع " (5/165).
وقال أيضا رحمه الله " من الناس من يجعل الاختلاف في الرأي الذي يسوغ فيه الاجتهاد
سببا للفرقة والشتات ، حتى إنه ليضلل أخاه بأمر قد يكون فيه هو الضال ، وهذا من
المحنة التي انتشرت في هذا العصر ، على ما في هذا العصر من التفاؤل الطيب في هذه
اليقظة من الشباب خاصة ، فإنه ربما تفسد هذه اليقظة ، وتعود إلى سبات عميق بسبب هذا
التفرق " .
انتهى من " الشرح الممتع " (5/137) .
والذي ظهر لنا أن قول الجمهور أحوط وقد قال به ابن عوف وابن عباس من الصحابة ،
وعامة التابعين إلا الحسن ، وهو كذلك اختيار الشيخ ابن باز وعلماء اللجنة الدائمة .
وإذا أخذت المرأة بمذهب من
قال بالقول الآخر ، وتدينت بذلك ، أو أفتاها به من تثق في علمه : فلا حرج عليها في
ذلك إن شاء الله ، فالمسألة ، كما سبق ، من مسائل الخلاف السائغ المعتبر ، الذي لا
إنكار فيه .
والله أعلم .