الحمد لله.
قال ابن قدامة رحمه الله :
" ويسن أن يجهر به الإمام والمأموم فيما يجهر فيه بالقراءة ، وإخفاؤها فيما يخفي
فيه .
وقال أبو حنيفة ، ومالك في إحدى الروايتين عنه : يسن إخفاؤها ؛ لأنه دعاء . فاستحب
إخفاؤه كالتشهد .
ولنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( آمين ) . ورفع بها صوته ، ولأن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر بالتأمين عند تأمين الإمام ، فلو لم يجهر به لم يعلق عليه ،
كحالة الإخفاء .
وما ذكروه : يبطُل بآخر الفاتحة ، فإنه دعاء ويجهر به ، ودعاء التشهد تابع له .
فيتبعه في الإخفاء ، وهذا تابع للقراءة فيتبعها في الجهر " انتهى من " المغني "
(2/162) .
وأما محل وضع اليدين في الصلاة حال القيام : فقد اختلف فيه سلفنا الصالح ، فالخلاف فيه واسع .
قال الإمام الترمذي رحمه
الله :
" والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والتابعين ومن
بعدهم : يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة .
ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة ، وكل ذلك واسع
عندهم " انتهى من " سنن الترمذي " (2/33) .
وينظر جواب السؤال رقم : (41675) ، وجواب
السؤال رقم : (5770) ، وجواب السؤال رقم :
(6109) .
ثانيا :
تبين مما سبق أن :
1 – هذه المسائل من مسائل الخلاف بين أئمة أهل العلم من السلف الصالح ، ومن أخطأ في
اجتهاده فيها لا يخرج بذلك إلى حد الابتداع .
2- هذه المسائل متعلقة بسنن الصلاة ، أما صلاة الجماعة الراجح فيها الوجوب ، كما
سبق بيانه في الفتوى رقم : (120) ؛ فلا يصح التمسك بسنة ، قد تؤدي إلى ترك واجب ؛
فإن عدم الصلاة في هذه المساجد ، مع عدم تيسر غيرها ، قد تعود الإنسان على ترك
الجماعة بالجملة ، فالذي ننصحك به أن تصلي معهم ، وإن أدى ذلك لترك بعض السنن .
3- أن تآلف المسلمين ، واجتماعهم ، وتواددهم ، ورفع الشحناء من صدورهم : كل هذا
ونحوه ، هو من المقاصد الشرعية الجليلة ، ولو أدى ذلك إلى ترك شيء من نوافل
العبادات ، ومستحبات الهيئات ، فما يحصل بهذا الترك من ائتلاف المصلين ، وانتظام
جماعتهم وصفوفهم ، أعظم أجرا عند الله تعالى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" فالصواب أن ما لا يجهر به قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة ، فيشرع للإمام أحيانا
لمثل تعليم المأمومين ، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانا .
ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب ، واجتماع الكلمة ، خوفا من
التنفير عما يصلح ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم
؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، وخشي تنفيرهم بذلك ، ورأى أن مصلحة
الاجتماع والائتلاف ، مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم .
وقال ابن مسعود - لما أكمل الصلاة خلف عثمان ، وأنكر عليه ، فقيل له في ذلك ، فقال
- الخلاف شر؛ ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير
ذلك مما فيه العدول عن الأفضل ، إلى الجائز المفضول ، مراعاة ائتلاف المأمومين ، أو
لتعريفهم السنة ، وأمثال ذلك ، والله أعلم " (22/436 - 437) .
وسُئل الشيخ عبد العزيز بن
باز رحمه الله :
" هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة ، وعدم رفع اليدين ؟
فأجاب : نعم ، إذا كان بين أناس لا يرفعون ، ولا يجهرون بالتأمين ، فالأولى أن لا
يفعل تأليفًا لقلوبهم ، حتى يدعوهم إلى الخير ، وحتى يعلمهم ويرشدهم ، وحتى يتمكن
من الإصلاح بينهم ، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا ؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين ،
يرون أن عدم رفع اليدين ، فيما عدا تكبيرة الإحرام ، يرون أنه هو الدين ، وعاشوا
عليه مع علمائهم .
وهكذا عدم الجهر بالتأمين ، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم ، منهم من قال يجهر،
ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين ، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع
صوته ، وفي بعضها أنه خفض صوته ، وإن كان الصواب أنه يستحب الـجهر بالتأمين ، وهو
شيء مستحب ، ويكون تَركَ أمرًا مستحبًّا ، فلا يفعل مؤمن مستحبًّا يفضي إلى انشقاق
وخلاف وفتنة ، بل يترك المؤمن المستحب .. إذا كان يترتب على تركه مصالـح أعظم .
من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة ، وبناءها على قواعد إبراهيم ،
قال: لأن قريشًا حديثو عهد بكفر ، ولهذا تركها على حالها ، ولـم يغير عليه الصلاة
والسلام للمصلحة العامة " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (29/278 - 279) .
فالحاصل : صلاتك معهم في
المسجد ومحافظتك على الجماعة مع تركك لهذه السنن ، لا يخرجك هذا عن منهج السلف
الصالح ، بل بهذا تكون متبعا لمنهجهم في الدعوة ، وتقديم العمل الفاضل على المفضول
.
والله أعلم .