طلقها الثالثة ويريدها أن ترجع إليه ويدعي أن النكاح لم يكن صحيحا
أخت أسلمت وتزوجت من مسلم وفي عقد النكاح حضر شخصان واحد بصفة شاهد وآخر كولي وشاهد وقاضي ، المشكل أنها طلقت ثلاث مرات ، لكن طليقها أقنعها بالرجوع معها مرة أخرى باعتبار الزواج الأول باطل ، فما رأيكم من فضلكم من ناحية العقد الاول و الرجوع إليه بعد الطلاق ثلاث مرات.
تزوج وحضر العقد شخصان أحدهما بصفته شاهد والآخر ولي وشاهد ، ثم طلق ثلاثا ويقنع زوجته بالرجوع بحجة أن الزواج الأول باطل .
الجواب
الحمد لله.
أولا:
المرأة التي ليس لها ولي - كالتي أسلمت دون أهلها - يتولى عقد نكاحها القاضي الشرعي
، فإذا كانت المرأة في موضع ليس فيه قاضٍ شرعي ، فيجوز لها أن تولي أمرها رجلاً
عدلاً من المسلمين ليكون وليها ويعقد نكاحها . وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى
رقم : (212323).
ولا نعلم ما السبب الذي جعل الزوج يحكم على النكاح بأنه كان باطلاً . فلعل سبب ذلك
أن الولي كان أحد الشاهدين ، وقد نص بعض العلماء على المنع من ذلك .
قال النووي رحمه الله : " ....... وَأَمَّا أَبُوهَا فَوَلِيٌّ عَاقِدٌ ، فَلَا
يَكُونُ شَاهِدًا " . انتهى من "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (7 / 46).
والجواب على هذا ؛ بأنه إذا كان قد تم إعلان النكاح وإشهاره بين الناس فإنه يكون
صحيحا ، وهذا الإعلان يغني عن الشهادة ، بل هو أقوى منها . وقد سبق بيان ذلك في
الفتوى رقم : (112112) .
ثانيا :
على فرض أن النكاح لم يكن صحيحاً ، فقد عقد الرجل وكذلك المرأة وهما يعتقدان صحة
هذا النكاح فإذا طلق وقع الطلاق وحسب عليه ، وقد نص العلماء على أن الطلاق يقع في
النكاح الفاسد ، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عَمَّنْ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَكَانَ وَلِيُّ نِكَاحِهَا
فَاسِقًا : فَهَلْ يَصِحُّ عَقْدُ الْفَاسِقِ ؛ بِحَيْثُ إذَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا
لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ نِكَاحِ غَيْرِهِ ؟ أَوْ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ
فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يُنْكِحَهَا غَيْرَهُ ؟
فَأَجَابَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ ، إنْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ
وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ ؟ وَلَيْسَ لِأَحَدِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ
يَنْظُرَ فِي الْوَلِيِّ : هَلْ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا ؛ لِيَجْعَلَ فِسْقَ
الْوَلِيِّ ذَرِيعَةً إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ
الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ وِلَايَةَ الْفَاسِقِ وَأَكْثَرَهُمْ يُوقِعُونَ
الطَّلَاقَ فِي مِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ ؛ بَلْ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْكِحَةِ
الْفَاسِدَةِ ...
وَهَذَا الزَّوْجُ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَوْ مَاتَتْ لَوَرِثَهَا :
فَهُوَ عَامِلٌ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ فَكَيْفَ يَعْمَلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ
عَلَى فَسَادِهِ فَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي
صِحَّتِهِ ، فَاسِدًا إذْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي فَسَادِهِ ؟ وَهَذَا الْقَوْلُ
يُخَالِفُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ
اعْتَقَدَ حِلَّ الشَّيْءِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَافَقَ
غَرَضَهُ أَوْ خَالَفَهُ ، وَمَنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ
يَعْتَقِدَ ذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ . وَهَؤُلَاءِ الْمُطَلِّقُونَ لَا
يُفَكِّرُونَ فِي فَسَادِ النِّكَاحِ بِفِسْقِ الْوَلِيِّ إلَّا عِنْدَ الطَّلَاقِ
الثَّلَاثِ ، لَا عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالتَّوَارُثِ فَيَكُونُونَ فِي وَقْتٍ
يُقَلِّدُونَ مَنْ يُفْسِدُهُ ، وَفِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُصَحِّحُهُ
بِحَسَبِ الْغَرَضِ وَالْهَوَى ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ
الْأُمَّةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32 / 100).
وقال أيضا رحمه الله : " وَمَنْ أَخَذَ يَنْظُرُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي صِفَةِ
الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي صِفَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ : فَهُوَ مِنْ
الْمُتَعَدِّينَ لِحُدُودِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَحِلَّ مَحَارِمَ
اللَّهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32 / 101).
وقال البهوتي رحمه الله : "ويقع الطلاق في النكاح المختلف في صحته كالنكاح بولاية
فاسق ، أو النكاح بشهادة فاسقين ، أو بنكاح الأخت في عدة أختها البائن ، أو نكاح
الشغار ، أو نكاح المحلل ، أو بلا شهود ، أو بلا ولي وما أشبه ذلك ، كنكاح الزانية
في عدتها أو قبل توبتها " انتهى من "كشاف القناع" (5/237) ، ويراجع في ذلك الفتوى
رقم : (116575).
وخلاصة الجواب : أن الطلاق واقع سواء قلنا بصحة النكاح أو بفساده ، فلا يجوز لهذه
المرأة أن تعود إلى مطلقها حتى تنكح زوجا غيره .
والله أعلم .