وجدت ساعة بمكة ثم ألقتها في سلة المهملات
لقد ذهبت إلى الحج ، ومكثت شهرا ، بعد أن وصلت ، وقمت بأداء العمره وتحللت .
وفى يوم من الأيام طفت بالكعبة ، فوجدت ساعة ليست قيمة على الإطلاق ، وأجزاء منها مكسورة ، ولكنها تعمل ، وفى هذه الأثناء كانت ساعتى لا تعمل ، وكنت في حاجة لمعرفة الوقت ، وخاصة أوقات الصلاة ؛ لأننى كنت أسكن فى العزيزية ، وهى بعيده عن الحرم ، فأخذتها ، واستعملتها فترة إقامتى فى مكة ، وحين انتهيت من مناسك الحج وذهبت إلى المدينة تخلصت منها بالقائها فى سلة المهملات .
ما حكم ما فعلته ؟ وكيف أكفر عن هذا الذنب ؟
علما بأنه على أغلب الظن أنى لم أكن محرمة ، فما هى الكفارة في حالة إذا كنت محرمة أو كنت غير محرمة ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
شدد الشرع في حكم ما يجده الإنسان من أموال في مكة ، حتى قال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ) رواه البخاري (109) ،
ومسلم (2414).
ومعنى ( سَاقِطَتُهَا ) أي ما يسقط من صاحبه من مال ويضيع منه .
ومعنى ( مُنْشِدٍ ) أي يبحث ويسأل عن صاحبها .
فمعنى الحديث : أن من وجد مالا بمكة فلا يحل له أخذه إلا إذا كان سيظل يسأل عن
صاحبه طول عمره ، فإن مات قبل أن يجد صاحبها فإنه يوصي أولاده أن يسألوا عن صاحبها
أو عن ورثته من بعده ... وهكذا .
أما المال الذي يجده الإنسان في غير مكة فإنه يسأل عن صاحبه سنة كاملة ، ثم بعد
السنة له أن ينتفع به إذا لم يجد صاحبه .
وهذا التشديد من الشرع في الأموال الضائعة في مكة حمايةً منه لأموال الحجاج
والمعتمرين .
فمن رأى مالا ضائعا من صاحبه وعلم أنه إن أخذه لزمه أن يبحث ويسأل عن صاحبه طول
عمرة ، فالغالب أنه لن يأخذه بل سيتركه مكانه ، وهكذا سيفعل كل من يراه ، حتى يأتي
صاحب المال فيجد ماله في المكان الذي فقده فيه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وهذا من خصائص مكة ، والفرق بينها وبين
سائر الآفاق (البلاد) في ذلك : أن الناس يتفرقون عنها إلى الأقطار المختلفة فلا
يتمكن صاحب الضالة من طلبها والسؤال عنها بخلاف غيرها من البلاد " انتهى من " زاد
المعاد " (3/398) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لقطة مكة المكرمة ( وهي المال الذي يجده
الإنسان ) تختص بأنها لا تحل لأحد أن يلتقطها إلا من أراد أن ينشدها دائماً ، أو
يسلمها إلى ولي الأمر الذي يتسلم مثل هذه الأموال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم
: ( ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ) ، والحكمة من ذلك الأمر هي : أن اللُقطة إذا بقيت
في أماكنها فإن أصحابها ربما يرجعون إليها فيجدونها " انتهى من " فتاوى إسلامية "
(2/311) .
وعلى هذا ، فينبغي لمن وجد لقطة في مكة أن يتركها مكانها ، إلا إذا خشي أن يأتي أحد
ويأخذها لنفسه ، فإنه يأخذها ويعطيها للجهات المسئولة عن حفظ الأموال الضائعة ، وقد
علم الناس أن من فُقد منه مال فإنه يذهب ويسأل عند لدى تلك الجهات .
هذا حكم التقاط المال في مكة .
وكان هذا هو الواجب عليك حينما وجدت تلك الساعة وأخذتيها .
ورميك لها في سلة المهملات يدل على خوفك من الله أن تكوني فعلت شيئا حراما ، وقد
أردت بذلك التخلص منها حتى لا تقعي في الإثم ، ولكنه خطأ آخر ، ولا ينجيك من إثم
أخذك لها ، لأن هذا تضييع للمال وإتلاف له ، وقد نهانا الشرع الحنيف عن تضييع المال
.
ثانيا :
قولك عن تلك الساعة : إنها ليست قيمة على الإطلاق .
ليس من شرط وجوب البحث والسؤال عن صاحب ما يجده الإنسان من الأموال أن يكون قيما ،
بل الشرط أن تكون له قيمة بحيث يهتم صاحبه به إن فقده ويسأل عنه، والغالب أن
الساعات كذلك ، يهتم بها صاحبها ويسأل عنها .
ثالثا :
حيث إنك لم تقومي بالواجب عليك حين أخذت تلك الساعة فإن الواجب عليك الآن أن تتصدقي
بقيمة تلك الساعة عن صاحبها ، ويكون له ثواب تلك الصدقة ، وتكونين أنت قد تبت من
ذلك الخطأ وتخلصت من الإثم . فبهذا تكفرين عن هذا الذنب .
ولا فرق بين كونك محرمة عندما أخذتيها أو غير محرمة .
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك .
والله أعلم .