الحمد لله.
ثانيا :
روى البخاري (3805) ، وأحمد (12980) - واللفظ له - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : " أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ ، وَعَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ كَانَا عِنْدَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ حِنْدِسٍ ،
قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ أَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا فَكَانَا
يَمْشِيَانِ بِضَوْئِهَا، فَلَمَّا تَفَرَّقَا أَضَاءَتْ عَصَا هَذَا وَعَصَا هَذَا
" .
ثالثا :
ذكر غير واحد من أهل العلم أن عكاشة بن محصن رضي الله عنه انقطع سيفه يوم بدر، فدفع
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا ، فعاد في يده سيفا شديد المتن.
قال ابن كثير رحمه الله :
" كَانَ عكاشة بن محصن مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ ، هَاجَرَ
وَشَهِدَ بَدْرًا وَأَبْلَى يَوْمَئِذٍ بَلَاءً حَسَنًا ، وانكسر سيفه ، فأعطاه
رسول الله يومئذ عرجونا ، فعاد في يده سيفا أمضى من الحديد ، شديد الْمَتْنِ ،
وَكَانَ ذَلِكَ السَّيْفُ يُسَمَّى الْعَوْنَ " .
انتهى من " البداية والنهاية " (6/ 338) .
وقال الذهبي رحمه الله :
" أَبْلَى عُكَّاشَةُ يَوْم بَدْرٍ بَلاَءً حَسَناً ، وَانْكَسَرَ سَيْفُهُ فِي
يَدِهِ ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُرْجُوْناً
مِنْ نَخْلٍ ، أَوْ عُوْداً ، فَعَادَ بِإِذْنِ اللهِ فِي يَدِهِ سَيْفاً،
فَقَاتَلَ بِهِ وَشَهِدَ بِهِ المَشَاهِدَ " انتهى، من "سير أعلام النبلاء" (3/
189) .
وانظر : "الاستيعاب" (3/ 1080) ، " دلائل النبوة " لأبي نعيم الأصبهاني (ص 613) ، "
دلائل النبوة " للبيهقي (3/ 99) ، " الشفا " للقاضي عياض (1/ 642) .
رابعا :
روى البخاري (755) من طريق عبد الملك بن عمير عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ :
" شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَعَزَلَهُ
، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا ، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ
يُحْسِنُ يُصَلِّي ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ
هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ:
أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا ، أُصَلِّي صَلاَةَ
العِشَاءِ ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ ، قَالَ:
ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ
رِجَالًا إِلَى الكُوفَةِ ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ
مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا ، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا
لِبَنِي عَبْسٍ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ
يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ : أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ
يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي
القَضِيَّةِ ، قَالَ سَعْدٌ : أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ :
اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا ، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً ،
فَأَطِلْ عُمْرَهُ ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ ، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَنِ . وَكَانَ بَعْدُ
إِذَا سُئِلَ - يعني هذا الرجل - يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ ، أَصَابَتْنِي
دَعْوَةُ سَعْدٍ ، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ : فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ ، قَدْ
سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ
لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ " .
وحصول الكرامات للصحابة رضي
الله عنهم أمر معروف لا ينكر ، وهي حاصلة لهم ، ثم لمن بعدهم من الصالحين ، ببركة
اتباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي من مشكاة النبوة ، وأثر من آثار تصديق
رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُقْتَدُونَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَفْعَلُونَ مَا أَمَرَ بِهِ، وَيَنْتَهُونَ عَمَّا
عَنْهُ زَجَرَ، وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيهِ
، فَيُؤَيِّدُهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ وَرُوحٍ مِنْهُ ، وَيَقْذِفُ اللَّهُ فِي
قُلُوبِهِمْ مِنْ أَنْوَارِهِ ، وَلَهُمْ الْكَرَامَاتُ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ
بِهَا أَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ ، وَخِيَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَرَامَاتُهُمْ
لِحُجَّةِ فِي الدِّينِ أَوْ لِحَاجَةِ بِالْمُسْلِمِينَ ، كَمَا كَانَتْ
مُعْجِزَاتُ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ .
وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَدْخُلُ فِي
مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 274-275) .
ومن جملة ما حصل من الكرامة
لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- روى البخاري (5018) عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: " بَيْنَمَا هُوَ
يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ ،
إِذْ جَالَتِ الفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ ،
فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الفَرَسُ ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ فَانْصَرَفَ ،
وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ ، فَلَمَّا
اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا
أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( اقْرَأْ
يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ) قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى ، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي
فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ ، فَإِذَا مِثْلُ
الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ المَصَابِيحِ ، فَخَرَجَتْ حَتَّى لاَ أَرَاهَا،
قَالَ: ( وَتَدْرِي مَا ذَاكَ ؟ ) ، قَالَ: لاَ، قَالَ: ( تِلْكَ المَلاَئِكَةُ
دَنَتْ لِصَوْتِكَ ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا،
لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ ) .
- روى مسلم (1226) عَنْ مُطَرِّفٍ ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ : "
أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، ثُمَّ لَمْ
يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ ، وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ ، وَقَدْ
كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ ، حَتَّى اكْتَوَيْتُ ، فَتُرِكْتُ ، ثُمَّ تَرَكْتُ
الْكَيَّ ، فَعَادَ " .
وقال أبو داود في سننه (4/ 5):
" كَانَ يَسْمَعُ تَسْلِيمَ الْمَلَائِكَةِ ، فَلَمَّا اكْتَوَى انْقَطَعَ عَنْهُ ،
فَلَمَّا تَرَكَ رَجَعَ إِلَيْهِ " .
- وروى البخاري (3045) حديث خبيب بن عدي رضي الله عنه لما أسره المشركون ، وكَانَ
خُبَيْبٌ قد قَتَلَ الحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ عِنْدَهُمْ
أَسِيرًا ، فقال عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ : قالت بِنْتَ الحَارِثِ : "
وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ ، وَاللَّهِ لَقَدْ
وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ
فِي الحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ " وَكَانَتْ تَقُولُ: " إِنَّهُ
لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا " .
- وروى البخاري (4093) عن هِشَام بْن عُرْوَةَ قال : أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ : "
لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ، وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ
الضَّمْرِيُّ ، قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا ؟ فَأَشَارَ إِلَى
قَتِيلٍ ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ : هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ،
فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ ، حَتَّى
إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضِعَ ".
- وروى مسلم (1610) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، " أَنَّ أَرْوَى
بِنْتَ أُوَيْسٍ، ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ
أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ سَعِيدٌ : أَنَا
كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا ،
طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ ) ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ : لَا أَسْأَلُكَ
بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا ، فَقَالَ: " اللهُمَّ ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ
بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا " ، قَالَ: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ
بَصَرُهَا، ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا، إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ
فَمَاتَتْ " .
- وروى ابن سعد في " الطبقات " (8/224) عن عثمان بن القاسم قال : " لما هاجرت أم
أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء ، فعطشت وليس معها ماء وهي صائمة ، فجهدها العطش ،
فدلي عليها من السماء دلو من ماء ، برشاء أبيض، فأخذته فشربت منه حتى رويت ، فكانت
تقول : " ما أصابني بعد ذلك عطش ، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد
تلك الشربة ، وإن كنت لأصوم في اليوم الحار فما أعطش " .
وانظر : "سير أعلام النبلاء" (2/224) .
والأخبار في ذلك كثيرة ، وانظر للمزيد جواب السؤال رقم : (175604)
.
والله تعالى أعلم .