الحمد لله.
وألحق بعض أهل العلم بالسفر : طول الغياب ، كما سبق
الإشارة إليه .
ففي " مغني المحتاج " في الفقه الشافعي ( 4 / 218 ) : " وتكره المعانقة والتقبيل في
الرأس ، ولو كان المقبل أو المقبل صالحا ، للنهي عن ذلك ، رواه الترمذي ؛ إلاّ
لقادم من سفر، أو تباعد لقاء عرفا " انتهى.
وألحق آخرون بصورة الجواز : المعانقة التي تحصل أحيانا
ودافعها شدة الحبّ في الله تعالى .
قال البغوي رحمه الله تعالى :
" فأما المكروه من المعانقة والتقبيل ، فما كان على وجه الملق والتعظيم ، وفي الحضر
، فأما المأذون فيه ، فعند التوديع ، وعند القدوم من السّفر ، وطول العهد بالصاحب ،
وشدّة الحبّ في اللّه " انتهى من " شرح السنة " ( 12 / 293 ) .
واستُدل لهذه الصورة بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه قَالَ:
( خَرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي سَاعَةٍ لَا يَخْرُجُ
فِيهَا وَلَا يَلْقَاهُ فِيهَا أَحَدٌ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ : مَا
جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ : خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ، وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْهِ ،
فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ ، فَقَالَ : مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ ؟ قَال
َ: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قال : فقال رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ . فَانْطَلَقُوا إِلَى
مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ الْأَنْصَارِيِّ ، وَكَانَ رَجُلًا
كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاءِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ فَلَمْ يَجِدُوهُ ،
فَقَالُوا لِامْرَأَتِهِ : أَيْنَ صَاحِبُكِ ؟ فَقَالَتِ : انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ
لَنَا الْمَاءَ ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ
يَزْعَبُهَا فَوَضَعَهَا ، ثُمَّ جَاءَ يلتزمُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َوَيُفَدِّيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ) رواه الترمذي ( 2369 ) ، وصححه
الألباني في " مختصر الشمائل " ( ص 79 ) .
ثانيا :
يستثنى من الرخصة في المعانقة والالتزام : ما كان صادرا عن شهوة ، ولو بين امرأة
وامرأة مثلها ، أو خيف أن يدعو إليها ، ويجر إليها .
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى :
" وتباح المعانقة ، وتقبيل اليد والرأس تديناً وإكرماً واحتراماً ، مع أمن الشهوة "
انتهى من " الآداب الشرعية " ( 2 / 247 )
وبوب البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه " السنن الكبرى " ( 7 / 161 ) : " باب ما
جاء في معانقة الرجل الرجل ، إذا لم تكن مؤدية إلى تحريك شهوة " انتهى.
ثالثا :
ذهب غير واحد من أهل العلم إلى كراهة المعانقة والالتزام عند كل لقاء ؛ فإن الرخصة
إنما وردت في ذلك ، في خاص من الأحوال ، فلا ينبغي أن تجعل هديا دائما ، وعادة
ملتزمة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : ( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ ؟ قَالَ :
لاَ . قَالَ : أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ ؟ قَالَ : لاَ . قَالَ :
أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ : نَعَمْ ) قَالَ أَبُو عِيسَى –
الترمذي - : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . رواه الترمذي ( 2728 ) ، وحسنه الألباني في "
السلسلة الصحيحة " ( 1 / 298 ) دون لفظة ( أَفَيَلْتَزِمُهُ ) .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية
والافتاء " ( 24 / 128 ) :
" المشروع عند اللقاء : السلام والمصافحة بالأيدي ، وإن كان اللقاء بعد سفر ، فيشرع
كذلك المعانقة ؛ لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال : ( كان أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا ) .
وأما تقبيل الخدود فلا نعلم في السنة ما يدل عليه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
بكر أبو زيد ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز آل الشيخ ، عبد
العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى.
والله أعلم.