لا ننصحك بالإقامة بعيدا عن زوجتك وأبنائك
أعيش في مالطا ، وأريد التحول والهجرة إلى بريطانيا ، لكن زوجتي ترغب بالبقاء مع عائلتها هنا ، ولا تريد أن تترك عملها ، ولدينا طفلان صغيران . وأعتقد أن المجتمع الإسلامي في بريطانيا أفضل مما هو عليه هنا ، سواء من ناحية التعليم أو البيئة ، أو غير ذلك .
فهل يمكنني ترك زوجتي هنا والذهاب على كل حال . إنني أخاف على إسلامي في هذا المكان ؛ لأن الفتن كثيرة جداً .
الجواب
الحمد لله.
إذا سألت عن الإمكان من الجهة الشرعية ، فالشريعة الإسلامية لا تحرم على الزوج
الإقامة في مكان غير مكان إقامة زوجته ، بشرط أن يقوم بحقوقها من جهة النفقة
والمعاشرة بالمعروف والإحسان إليها ، مع الإشراف على تربية الأبناء والاطمئنان على
أحوالهم ، فكم في هذه الدنيا من أزواج مغتربين عن بيوتهم وأسرهم ، دفعتهم الحاجة
إلى العمل أو التعليم أو العلاج إلى التباعد لتحقيق المقصد المطلوب .
لكن الشرط الواجب هو الحرص على التواصل ، وتقارب ما بين إجازات العودة إلى الأهل ،
والاستمرار في إرسال النفقة من مكان العمل ، مع العناية الخاصة بالأبناء لإبقاء حبل
المودة بينهم وبين والدهم ، ليكون هذا الحبل سببا في التربية الحسنة على الخلق
والإيمان .
أمّا إذا سألت عن إمكان سفرك من جهة النصيحة الواقعية ، والنظر في حالك ، وظروفك ،
ودوافعك : فنحن لا نرى لك ذلك ، إلا مع أسرتك وأبنائك ، خوفا أن يكون سفرك سببا
لضياعهم وإضعاف صلتك بهم ، وتركهم فريسة للفتن التي وصفتها بأنها كثيرة جدا ،
فالزوجة والأبناء أيضا معرضون لأنواع الفتن في دينهم وأخلاقهم وأحوالهم ؛ فإذا كنت
أنت تخاف من الفتن على نفسك ، وتريد أن تفر بدينك ؛ فماذا تفعل في أولادك وأسرتك ؟
وكيف تتركهم في هذه الفتن ، من غير راع ، ولا حافظ ، ولا مرب ؛ والزوج راع لزوجته ،
والأب راع لأبنائه ومسؤول عن رعيته.
ومقتضى المسؤولية والأمانة التي كلفه الله عز وجل إياها أن يكون خير سند وعون لهم
على مواجهة الفتن ، ينصحهم ، ويوجههم ، ويبذل حبه الصادق لهم ليكون خير صديق ،
وحينئذ يتمكن من حمايتهم ، وتربيتهم ، والقيام على أمرهم .
أما إذا سافر وتركهم فقد خلّى بينهم وبين الشيطان ، وقطع أوثق حبل بينه وبينهم ،
وهو حبل القرب والمشاهدة ، وغالبا ما تبدأ العلاقة تضعف بين الأب وأبنائه بسبب
الغربة ، ولا يتمكن من ترميم هذه العلاقة حتى لو رجع وأقام بينهم بعد سنوات عدة .
خاصة ، والأمر في مثل حالك : أن البيئة التي تريد الانتقال إليها : هي أفضل ، نسبيا
، من مكان إقامتك ، لكنها ، رغم ذلك : في بلاد الغرب ، وفيها من الفتن ، ما فيها ،
ولست ستنتقل إلى بلد إسلام ، تأمن فيه على نفسك ودينك ؛ فالضريبة التي ستدفعها ،
وستتكلفها أسرتك كلها ، باغترابك عنهم ، لا نرى أنها توازي الفرق بين البلدين
والبيئتين ؛ فلم يبق إلا أن تصبر على قيامك على أولادك وأسرتك ، إلى أن يجعل الله
لك ولهم فرجا ومخرجا ، وينقلك إلى بلد هو خير من بلدك.
ولذلك لا بد من العمل على إقناعهم شيئا فشيئا ، واستعمال لغة الحوار والترغيب مع
الزوجة ، وإغرائها بحياة أفضل ، وقبل ذلك كله وبعده دعاء الله عز وجل لها بالهداية
للخيار الأفضل ، ويشرح قلبها لما تحفظ به دينك وأسرتك ، فالدعاء سلاح المؤمن ،
والله عز وجل مقلب القلوب ، بيده مفاتيح الهداية والتوفيق .
والله أعلم .