هل يترك الطبيب صلاة الجمعة والجماعة من أجل علاج المرضى ؟
شخص يعمل طبيب أطفال ، و- الحمد لله - هو طبيب حاذق ، ويخاف الله ، لذلك تكون عيادته دائما مليئة بالمرضى ، لكنه لا يصلي الصلاة المكتوبة في المسجد ، بل يصليها في عيادته حين يجد الفرصة لذلك ؛ لأنه في الغالب يكون الأطفال رضع ، وحرارتهم مرتفعة ، ويبقى أولياؤهم ينتظرون كثيرا حتى ثلاث ساعات أو أكثر ، فيتعبون ويكثر بكاؤهم ، لذلك فإن الطبيب يضطر للصلاة في غرفة للصلاة في العيادة ، وبالنسبة لصلاة الجمعة فهو يذهب للصلاة ، ويترك أحيانا المرضى في العيادة ، ويغلق الباب عليهم لحين فراغه من صلاته ؛ لأن الأمهات يرفضن الخروج والعودة في وقت لاحق خوفا على أبنائهن من تعكر حالاتهم .
هل عليه إثم في تركه للجماعة لأجل المرضى ؟
وهل عليه إثم في تركه للمرضى ينتظرون انتهاءه من صلاة الجمعة ؟
الجواب
الحمد لله.
الشريعة الإسلامية مبنية على التيسير بحمد الله تعالى . ومن ذلك : ما جاء من
الترخيص في ترك صلاة الجماعة إذا وُجدت بعض الأعذار ، وقد عد السيوطي في " الأشباه
والنظائر " (ص439) نحو أربعين عذرا للتخلف عن صلاة الجماعة ، وذكرها غيره من
الفقهاء أيضا ، وذكروا من هذه الأعذار : " القيام على المريض " ، والعناية به .
قال ابن عابدين الحنفي رحمه الله – في ذكر أعذار ترك الجماعة -:
" وقيامه بمريض ، أي يحصل له بغيبته المشقة والوحشة " انتهى من " رد المحتار "
(1/556) .
وقال النووي الشافعي رحمه الله :
" قال أصحابنا (الشافعية) : من الأعذار في ترك الجماعة : أن يكون مُمَرِّضاً لمريض
يخاف ضياعه ، فإن كان له غيره يتعهده لكنه يتعلق قلبه به فوجهان ، أصحهما أنه عذر ؛
لأن مشقة تركه أعظم من مشقة المطر ، ولأنه يذهب خشوعه " انتهى من " المجموع "
(4/100) .
وقال المرداوي الحنبلي رحمه الله :
" يعذر أيضا في تركها لتمريض قريبه " انتهى من " الإنصاف " (2/301) .
وقال ابن حزم رحمه الله :
" من العذر للرجال في التخلف عن الجماعة في المسجد ... خوف ضياع المريض " .
انتهى من " المحلى " (3/118) .
وإذا احتسب الطبيب أجره عند الله تعالى ، وقصد التخفيف عن المرضى آلامهم ، وتقليل
المشقة عليهم ، رجي أن يكتب الله له أجر الجماعة ، ولو حرص مع ذلك على الجماعة في
عيادته مع أحد المراجعين أو الموظفين لكان ذلك أولى وأفضل .
وأما صلاة الجمعة ، فأعذار التخلف عن صلاة الجمعة هي نفسها أعذار التخلف عن صلاة
الجماعة ، فإذا وجد في العيادة من يحتاج إلى إسعافات عاجلة ، وتأخيرها يترتب عليه
خوف الضرر عليه أو زيادة المشقة والمرض ، فذلك عذر لترك صلاة الجمعة ، وحينئذ
تصليها ظهرا في العيادة ، وأما إذا كان المراجعون ليس فيهم حالة مستعجلة ولا يضر أن
ينتظروا إلى انتهاء صلاة الجمعة ، فلا حرج عليك أن تتركهم في العيادة وتخرج لصلاة
الجمعة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن الطبيب المناوب في أحد المستوصفات الذي
تأتى نوبته وقت صلاة الجمعة ، ماذا يفعل ؟ وقد يحتاج إليه بعض المرضى .
فأجابوا :
" الطبيب المذكور في السؤال قائم بأمر عظيم ينفع المسلمين ، ويترتب على ذهابه إلى
الجمعة خطر عظيم ، فلا حرج عليه في ترك صلاة الجمعة ، وعليه أن يصلي الظهر في
وقتها، ومتى أمكن أداؤها جماعة وجب ذلك ؛ لقول الله سبحانه: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، فإذا كان من الموظفين من يتناوب معه وجب عليهم أن يصلوا
الظهر جماعة .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد
الله بن غديان... الشيخ عبد الله بن قعود " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة"
(8/190) .
والله أعلم .