الحمد لله.
وقد اختلف العلماء في عقوبة
من فعل هذا ، ولم يذكر أحد منهم أنه يقتل ردة .
فعند الحنفية : لا حد عليه ، وإنما عليه التعزير ، وحملوا الحديث الذي ذكره السائل
على المستحل .
قال ابن الهمام الحنفي رحمه الله :
" هذا يدل على أنه استحل ذلك فارتد به " انتهى من " فتح القدير " (5/261) .
وذهب الجمهور من المالكية
والشافعية والحنابلة ، أن من تزوج محرَّمة عليه : يُحد حد الزنا ، إن كان محصنا
فالرجم ، وإن كان غير محصن فالجلد مائة جلدة ، وحملوا حديث البراء بن عازب على
المستحل أيضا .
جاء في " التاج والإكليل " من كتب المالكية (8/390):
" إن تزوج زوجة أبيه أو زوجة ولده حُدَّ [يعني : حد الزنا] إن كان عالما بتحريم ذلك
" انتهى.
وقال الماوردي الشافعي رحمه الله :
" فجعله النبي صلى الله عليه وسلم باستحلال ما نص الله تعالى على تحريمه مرتدا ،
وجعل ماله بتخميسه إياه فيئا " انتهى من " الحاوي الكبير " (8/ 146) .
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" وخبر البراء ( يقتل ويؤخذ ماله ) قال أبو بكر : محمول عند أحمد على المستحل ، وأن
غير المستحل كزان " انتهى من " كشاف القناع " (6/54-55) ، وينظر : "الفروع" لابن
مفلح (10/56) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" حديث أبي بردة بن نيار ( لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى من تزوج امرأة
أبيه ، فأمره أن يضرب عنقه ويخمس ماله ) فإن تخميس المال دل على أنه كان كافرا لا
فاسقا ، وكفره بأنه لم يحرم ما حرم الله ورسوله " انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/
90).
ومراد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بـ" أنه لم يحرم ما حرم الله ورسوله .." :
استحلال ذلك ، كما يدل عليه ما قبله ، وما بعده من الكلام .
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا ثُمَّ مَلَّكَهَا لِوَلَدِهِ . فَهَلْ
يَجُوزُ لِوَلَدِهِ وَطْؤُهَا؟
فَأَجَابَ:
" الْحَمْدُ اللَّه ، لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ وَطْءِ أَبِيهِ
وَالْحَالُ هَذِهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ
يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَفِي السُّنَنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ قَالَ: رَأَيْت خَالِي أَبَا بُرْدَةَ وَمَعَهُ رَايَتُهُ فَقُلْت: إلَى
أَيْنَ؟ فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ
وَأُخَمِّسَ مَالَهُ وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
وَطْئِهَا بِالنِّكَاحِ وَبَيْنَ وَطْئِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ " انتهى من "مجموع
الفتاوى" (32/77) .
وقال الشوكاني رحمه الله :
" لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم بقتله ، عالم
بالتحريم ، وفعله مستحلا ، وذلك من موجبات الكفر ، والمرتد يقتل " انتهى من " نيل
الأوطار " (7/137) .
وذهب ابن حزم ، وهو رواية عن
أحمد : إلى أن من وقع على ذات محرم فعقابه أشد من الزاني ، فيجب قتله بكل حال ،
سواء كان محصنا أو غير محصن .
غير أنهم قالوا يقتل حدا ، لا ردة .
واختار هذا القول الخطابي وشيخ الإسلام ابن تيمية
قال ابن حزم رحمه الله :
" فمن وطئ امرأة أبيه بعقد سماه نكاحا ، أو بغير عقد ، فقتلُهُ واجب ولا بد ،
وتخميس ماله فرض ، ويكون الباقي لورثته - إن كان لم يرتد -، أو للمسلمين إن كان
ارتد " .
انتهى من " المحلى " (12/204) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" فَوَاَللَّهِ مَا رَضِيَ لَهُ بِحَدِّ الزَّانِي حَتَّى حَكَمَ عَلَيْهِ بِضَرْبِ
الْعُنُقِ وَأَخْذِ الْمَالِ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ ؛ فَإِنَّ
جَرِيمَتَهُ أَعْظَمُ مِنْ جَرِيمَةِ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ
عَقْدٍ ، فَإِنَّ هَذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَاحِدًا، وَالْعَاقِدُ عَلَيْهَا
ضَمَّ إلَى جَرِيمَةِ الْوَطْءِ جَرِيمَةَ الْعَقْدِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ ،
فَانْتَهَكَ حُرْمَةَ شَرْعِهِ بِالْعَقْدِ، وَحُرْمَةَ أُمِّهِ بِالْوَطْءِ" انتهى
من"إعلام الموقعين" (2/249) ، وينظر : "زاد المعاد" (5/13-14) .
وينظر أيضا : "المغني" (9/56) ، " مجموع فتاوى " شيخ الإسلام ابن تيمية (34/177) .
" معالم السنن " (3/329) .