هل القيء نجس ، وهل يختلف الحكم بالنسبة للرضيع عن الرجل الكبير ؟
هل القيء نجس ، وهل يختلف الحكم بالنسبة للرضيع عن الرجل الكبير ؟
الجواب
الحمد لله.
القيء : "هو الْخَارِجُ مِنَ الطَّعَامِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِي الْمَعِدَةِ " .
انتهى من " الموسوعة الفقهية " (34/85).
وله حالتان :
الأولى :
أن يخرج من المعدة متغيراً عن حال الطعام : طَعْمًا ، أَوْ لَوْنًا ، أَوْ رِيحًا .
فمذهب عامة العلماء من السلف والخلف أنه نجس ، وهو قول المذاهب الأربعة ، والظاهرية
، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وغيرهم .
ينظر : "بدائع الصنائع" (1/60) ، "مغني المحتاج" (1/79) ، " شرح منتهى الإرادات"
(1/102).
وحجتهم في ذلك : القياس على الغائط ؛ لأن القيء قد استحال في المعدة إلى نتن وفساد
، فكلاهما طعام أو شراب خرج من الجوف .
قال ابن قدامة : " القيء نجس ؛ لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد ، فأشبه
الغائط ". انتهى من " الكافي " (1/153).
وقال ابن حزم : " وَالْقَيْءُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ حَرَامٌ يَجِبُ
اجْتِنَابُهُ ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( الْعَائِدُ فِي
هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِه) " انتهى من " المحلى " (1/191) ، [ والتعبير عن
النجس بالحرام موجود لدى بعض المتقدمين ، وقد استعمله الإمام الشافعي في الأم ] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وَالْقَيْءُ نَجِسٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَاءَ فَتَوَضَّأَ) وَسَوَاءٌ أُرِيدَ غَسْلُ يَدِهِ
أَوِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ نَجَاسَةٍ " .
انتهى من " شرح عمدة الفقه" (1/108) ، وينظر: " مجموع الفتاوى " (21/597).
وقال أبو الفضل الموصلي: " وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ
مُوجِبٌ لِلتَّطْهِيرِ فَنَجَاسَتُهُ غَلِيظَةٌ كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالدَّمِ
وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ ".
انتهى من " الاختيار لتعليل المختار" (1/ 32).
وقال الزركشي : " الخارج من الإنسان ثلاثة أقسام :
طاهر بلا نزاع : وهو الدمع ، والعرق ، والريق ، والمخاط ، والبصاق.
ونجس بلا نزاع : وهو البول والغائط ، والودي ، والدم وما في معناه ، والقيء .
ومختلف فيه : وهو المني ، والمذي ، وبلغم المعدة لتردده بين القيء ونخامة الرأس" .
انتهى بتصرف من " شرح الزركشي على مختصر الخرقي" (2/39).
وفي فتاوى اللجنة الدائمة : " القيء نجس ، سواء كان من صغير أو كبير ؛ لأنه طعام
استحال في الجوف إلى الفساد ، أشبه الغائط والدم ، فإذا أصاب الثوب أو غيره وجب
غسله بالماء مع الفرك والعصر حتى تذهب عين النجاسة وتزول أجزاؤها وينقى المحل " .
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (4/193) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى : هل القيء يؤثر على طهارة الملابس أم لا ؟
فقال : " يعفى عن قليله ، وأما الكثير فينبغي فيه الغسل ؛ لأن كثيرا من أهل العلم
ألحقوه بالبول ، فينبغي أن ينظف منه الملابس وما أصاب البدن ، أما الشيء القليل
فيعفى عنه كما يعفى عن يسير الدم ، ويسير الصديد ، ونحو ذلك ، سواء كان من الكبار
أو من الصغار ، الحال واحد" انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (5/379).
وسئل أيضاً رحمه الله : هل تجوز الصلاة في ثوب استفرغ عليه طفل رضيع ؟
فقال : " ينبغي أن يغسل بالنضح إذا كان الطفل رضيعاً لا يأكل الطعام ، فهو مثل بوله
، ينضح بالماء ويغسل به ، ولا يصلى فيه قبل النضح بالماء " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (7/316).
واستدل بعضهم بحديث : ( يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس : من الغائط ، والبول ،
والقيء ، والدم ، والمني ) ، ولكنه حديث ضعيف ، بل باطل كما بين النووي ذلك في "
المجموع " (2/549).
الحال الثانية : أن يخرج على هيئة الطعام غير متغير.
فمذهب جمهور العلماء نجاسته أيضاً ، وذهب المالكية إلى طهارته في هذه الحال . ينظر:
" الحطاب على مختصر خليل" (1/94) ، "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/70).
وقال القرافي : " الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ طَاهِرَانِ إِنْ خَرَجَا عَلَى هَيْئَةِ
طَعَامٍ " .
انتهى من " الذخيرة " (1/185) .
قال النووي : " نجاسة القيء متفق عليها ، وسواء فيه قيء الآدمي وغيره من الحيوانات
.. وسواء خرج القيء متغيراً أو غير متغير ، وقيل : إن خرج غير متغير فهو طاهر ، وهو
مذهب مالك" انتهى من " المجموع شرح المهذب " (2/551) .
وما ذهب إليه المالكية أقوى وأقرب ، فغير المتغير لا يمكن قياسه على الغائط ؛ لأنه
لم يستحل بعدُ في المعدة .
وبناء على هذا القول يقال في قيء الرضيع : إن كان متغيراً ، كأن يخرج الحليب وفيه
صفرة وقد تغيرت مادته ورائحته فهذا يحكم بنجاسته ، وأما إن كان الذي خرج ولم يتغير
وصفه ، كأن يكون حديث عهد برضاعة ، فهو طاهر.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي : " الذي يخرج من الطفل لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون متغيراً وقد وصل إلى جوفه ، فهذا يعتبر في حكم القيء وهو
نجس ، كأن تسقيه لبناً فيخرج اللبن وفيه صفرة قد تغيرت مادته وتغيرت رائحته ، فهذا
يحكم بتنجسه.
الحالة الثانية : أن يكون الذي خرج لم يتغير وصفه ، كأن يكون حديث عهد برضاعة ،
فلما جاءت تحمله قلس عليها ، وهو القلس ، فالذي يدفعه الصبي أو الصبية عند الشبع
والري من اللبن ونحوه يعتبر طاهراً " انتهى من " شرح زاد المستقنع " (22/18، بترقيم
الشاملة آليا).
وها هنا مسألة ذكرها ابن القيم ، وهي أن الطفل يقيء كثيراً ، وعادة الناس أنهم لا
يغسلون فم الرضيع بعد القيء ، فهل يحكم بنجاسة ريقه ولعابه بسبب ذلك ؟.
قال ابن القيم : " هَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى ، وَقد علم
الشَّارِع أَن الطِّفْل يقيء كثيراً ، وَلَا يُمكن غسل فَمه ، وَلَا يزَال رِيقه
ولعابه يسيل على من يربيه ويحمله ، وَلم يَأْمر الشَّارِع بِغسْل الثِّيَاب من
ذَلِك ، وَلَا منع من الصَّلَاة فِيهَا ، وَلَا أَمر بالتحرز من ريق الطِّفْل .
فَقَالَت طَائِفَة من الْفُقَهَاء : هَذَا من النَّجَاسَة الَّتِي يُعْفَى عَنْهَا
للْمَشَقَّة وَالْحَاجة ، كطين الشوارع ، والنجاسة بعد الِاسْتِجْمَار ، ونجاسة
أَسْفَل الْخُف والحذاء بعد دلكهما بِالْأَرْضِ .
وَقَالَ شَيخنَا وَغَيره من الْأَصْحَاب : بل ريق الطِّفْل يُطهِّر فَمه للْحَاجة ،
كَمَا كَانَ ريق الْهِرَّة مطهرا لفمها ، وَقد أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنَّهَا لَيست بِنَجس مَعَ علمه بأكلها الفأر وَغَيره ، وَقد فهم من ذَلِك
أَبُو قَتَادَة طَهَارَة فمها وريقها ، وَكَذَلِكَ أصغى لَهَا الْإِنَاء حَتَّى
شربت ... فالريق مطهر فَم الْهِرَّة وفم الطِّفْل للْحَاجة " .
انتهى من " تحفة المودود بأحكام المولود" (صـ 218).
وقد ذهب الشوكاني إلى طهارة القيء مطلقاً كما في " السيل الجرار" (1/43) ، وتبعه
على هذا الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله . غير أن عامة العلماء على ما
سبق .
والله أعلم .