هل يرثه أولاده من الزوجة الخامسة ؟!
تزوج أمير إحدى المقاطعات في الهند أكثر من أربع نساء ، فهل تختلف حصة الورثة للأولاد من الزوجة الخامسة عن حصة الأولاد من الزوجات الأربعة السابقات . أم هل يتم توزيع الميراث فيما بينهم جميعاً بالتساوي ؟
ملخص الجواب:
والحاصل :
أن الزواج بالخامسة وإن كان محرماً وفاسداً إلا أن النسب يثبت فيه ، ويرثه أولاده
من الخامسة كبقية أولاده من غيرها .
وقد سألنا الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى عن هذه المسألة ، فقال : " يلحق
به النسب ، ويرثه أولاده ، لأن من يفعل ذلك لا يفعله إلا جاهلا أو متأولا أو لشبهة
".
والله أعلم .
الجواب
الحمد لله.
عقد النكاح على زوجة خامسة عقد باطل فاسد ؛ إذ من المعلوم في الشريعة الإسلامية أنه
لا يحل للمسلم أن يضم زوجة خامسة إلى نسائه الأربعة ، فهذا حكم شرعي مجمع عليه ،
مقرر في كتاب الله عز وجل في قوله سبحانه : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا
فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ
وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء/3.
فإذا خالف أحدهم ، وهو يعلم الحكم الشرعي ، ولكنه عصى الله عز وجل بضم خامسة إلى
زوجاته ، ودخل بها ، تحمل الإثم عند الله ، ووجبت عليه التوبة النصوح لعل الله
يتجاوز عنه .
وليعلم أن نكاحه فاسد ابتداءً ، لا يحتاج إلى طلاق أو فسخ خاص باتفاق علماء
المسلمين ، ولكن نظراً لكون من يفعل ذلك لا يفعله غالبا إلا لجهل أو تأويل أو شبهة
: فإن آثار هذا النكاح تترتب عليه ، من جهة النسب ، والميراث ، ونحو ذلك .
جاء في " بدائع الصنائع " (2/335) للكاساني رحمه الله تعالى : " وأما النكاح الفاسد
، فلا حكم له قبل الدخول ، وأما بعد الدخول ، فيتعلق به أحكام : منها ثبوت النسب "
انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر ؛ بل الولد للفراش ، كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، فمن طلق امرأته ثلاثا
ووطئها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق : إما لجهله ، وإما لفتوى مفتٍ مخطئ قلَّده
الزوج ، وإما لغير ذلك : فإنه يلحقه النسب ، ويتوارثان بالاتفاق .
ومن نكح امرأةً نكاحاً فاسداً ، متفقاً على فساده ، أو مختلفاً في فساده ، أو وطئها
يعتقدها زوجته الحرة : فإن ولده منها يلحقه نسبه ، ويتوارثان باتفاق المسلمين ... ،
وبهذا قضى الخلفاء الراشدون ، واتفق عليه أئمة المسلمين ... هذا في المجمع على
فساده ، فكيف في المختلف في فساده !" انتهى من " مجموع الفتاوى " (34/ 14).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" لا شك في بطلان نكاح الخامسة ، وهو كالإجماع من أهل العلم رحمهم الله ، وقد ذكر
الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره أن أهل العلم - ما عدا الشيعة - قد أجمعوا على
تحريم نكاح الخامسة .
وفي وجوب إقامة الحد على ناكح الخامسة خلاف مشهور ، ذكره القرطبي رحمه الله في
تفسيره ، وغيره من أهل العلم .
أما إلحاق الولد به ففيه تفصيل :
فإن كان يعتقد حل هذا النكاح لجهل أو شبهة أو تقليد لحق به ، وإلا لم يلحق به .
وقد ذكر صاحب المغني وغيره هذا المعنى فيمن تزوج امرأة في عدتها ، ومعلوم أن نكاح
المرأة في عدتها باطل بإجماع أهل العلم ، ومع ذلك يلحق النسب بالناكح إذا كان له
شبهة ، كالجهل بكونها في العدة ، وكالجهل بتحريم نكاح المعتدة إذا كان مثله يجهل
ذلك .
فإذا لحق النسب في هذه المسألة بالناكح إذا كان له شبهة فلحوقه بناكح الخامسة أولى
؛ لأن نكاح المعتدة لا خلاف في بطلانه بخلاف نكاح الخامسة ، فقد خالف في تحريمه
وبطلانه الشيعة ، وإن كان مثلهم لا ينبغي أن يعتد بخلافه ، وخالف فيه أيضا بعض
الظاهرية ، كما ذكر ذلك القرطبي في تفسيره ؛ ولأن الأدلة الشرعية قد دلت على رغبة
الشارع في حفظ الأنساب وعدم إضاعتها ، فوجب أن يعتني بذلك ، وألا يضاع أي نسب مهما
وجد إلى ذلك سبيل شرعي .
ولا شك أن الشبهة تدرأ الحدود ، وتقتضي إلحاق النسب ، وقد يدرأ الحد بالشبهة ، ولا
يمنع ذلك تعزير المتهم بما دون الحد ، مع القول بلحوق النسب جمعا بين المصالح
الشرعية ، والله ولي التوفيق " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (21/20-21)