تدرس الطب وتشتمل كتب الدراسة على صور للرجال بغرض التدريب والشرح ، وزوجها يمنعها من ذلك بحجة أن هذا يخالف الشرع
سؤالي متعلق بحكم الدراسة بكتب طبية قد يقع فيها الشرح باستخدام جسم الإنسان كشرح ، وبالتالي سيتعين عليَّ النظر إلى جسم الإنسان ، والذي غالبا ما يكون مجسما بصورة رجل ؛ لأستطيع تحديد أماكن الإصابات ، أو الأدوية ، أو لتحديد أماكن الأعضاء عموما ، مع رفض زوجي لهذه الطريقة من الدراسة بعلة أن هذا يخالف الشرع من ناحية غض البصر ، فما هو حكم الدراسة والنظر لمثل هذه الصور بغرض التعلم ؟
الجواب
الحمد لله.
استعمال الرسوم والصور في دراسة علوم الطب وما يتعلق بها ، أمر مباح للضرورة ، أو
الحاجة العامة إلى تعلم علوم الطب ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (40054)
، فعليك أن تعلمي زوجك بعدم الحرج الشرعي في مشاهدة هذه الصور ، ما دام أن الهدف هو
تعلم الطب والتدرب على معالجة المرضى ، وتعليمه أيضا لحاجة المسلمين إلى أن تتعلم
نساؤهم علم الطب ، خصوصا لكي يقمن بدورهن في علاج المرأة المسلمة ، ويحفظن عورتها
من أن يطلع عليها الرجال عند المداواة .
وقد جاء في كتب فقهاء الحنفية ما يفهم منه أن تخصص المرأة في توليد النساء من فروض
الكفاية . ينظر : "البحر الرائق شرح كنز الدقائق " (4 / 212) .
وقد كانت النساء على عهده صلى الله عليه وسلم يمارسن الطب ، ففي صحيح مسلم (1810)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا
غَزَا، فَيَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى " .
قال النووي في شرحه على مسلم (12 / 188): " فِيهِ خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي الْغَزْوِ
وَالِانْتِفَاعِ بِهِنَّ فِي السَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ وَنَحْوِهِمَا ، وَهَذِهِ
الْمُدَاوَاةُ لِمَحَارِمِهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ ، وَمَا كَانَ مِنْهَا
لِغَيْرِهِمْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَسُّ بَشَرَةٍ ، إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ "
انتهى.
وفي صحيح مسلم أيضا (1812) " أن نجدة كتب إلى ابن عباس يَسْأَلُهُ، عَنْ خَمْسِ
خِلَالٍ، فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ
إِلَيْهِ ، كَتَبَ إِلَيْهِ نَجْدَةُ : أَمَّا بَعْدُ ، فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ ؟ وَهَلْ
كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ ؟ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ ؟ وَمَتَى
يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ ؟ وَعَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ
ابْنُ عَبَّاسٍ : كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ " وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ،
فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ
فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ " انتهى .
وفي صحيح مسلم أيضا عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: " غَزَوْتُ
مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ ،
أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ ، فَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ ، وَأُدَاوِي
الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى " .
وفي سنن أبي داود (2531) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ، وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ
لِيَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى " صححه الألباني .
والنصيحة لك أن تأتمري أنت وزجك بالمعروف في هذا الأمر ، وأن تتطاوعا ولا تختلفا ،
وتيسرا ولا تعسرا ، وننصحك أنت خاصة أن تراعي ما يفعله زوجك ، وأن تنظري إلى تصرفه
من باب حسن الظن به ، وتقدري غيرته عليك من أن تنظري إلى صور الرجال الأجانب.
والله أعلم.