كان كُمّ قميص النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرُّسغ .
قال لي أحدهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بقميص ذي أكمام قصيرة ؛ نصف كُم ،فهل هذا صحيح ؟
الجواب
الحمد لله.
لا نعلم دليلا من السنة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لبس قميصا ذا كم قصير ،
الذي يُسمى اليوم (نصف كم) لا في الصلاة ولا في غيرها .
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس القميص ذا الأكمام الطويلة، وقد ورد أن
أكمامه كانت تصل إلى الرسغ، وهو المفصل بين الكف والساعد .
روى أبو داود (4027) ، والترمذي (1765) وحسنه ، من طريق بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ،
عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: " كَانَتْ
يَدُ كُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّسْغِ "
، ورواه البيهقي في " الشعب " (5758) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ
قَمِيصُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رُسْغِهِ " .
وهذان الحديثان ضعيفان ، ضعفهما الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (2458) .
لكن لما كانت هذه الأحاديث ليست متعلقة بعبادة من العبادات ، ولا ببيان حكم شرعي ،
تساهل العلماء في قبولها ، لاسيما وقد ورد عن بعض الصحابة ما يؤيدها.
روى ابن أبي شيبة (5/ 169) عَنِ ابْنِ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ ، قَالَ: " رَأَيْتُ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَكُمُّ قَمِيصِهِ إِلَى الرُّسْغِ " .
قال ابن القيم رحمه الله :
" كَانَ كُمُّهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرُّسغِ " انتهى من "زاد المعاد" (1/
132) .
وكان بعض الناس يبالغ في تطويل أكمام قميص حتى كانت تتجاوز الكفين ، ويبالغ في
توسيعها أيضا ، فأنكر العلماء ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وَكَانَ صلى الله عليه وسلم قَمِيصُهُ مِنْ قُطْنٍ ، وَكَانَ قَصِيرَ الطُّولِ ،
قَصِيرَ الْكُمَّيْنِ، وَأَمَّا هَذِهِ الْأَكْمَامُ الْوَاسِعَةُ الطِّوَالُ ،
فَلَمْ يَلْبَسْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْبَتَّةَ، وَهِيَ
مُخَالِفَةٌ لِسُنَّتِهِ، وَفِي جَوَازِهَا نَظَرٌ، فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسِ
الْخُيَلَاءِ " انتهى من " زاد المعاد " (1/ 135) .
وقال السيوطي رحمه الله :
" نصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْكُمِّ ، فَقَدْ صَحَّ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كُمُّهُ إِلَى الرُّسْغِ
، وَقَالَ الشَّيْخُ عز الدين بن عبد السلام: تَطْوِيلُ الْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ
مُخَالِفة لِلسُّنَّةِ وَإِسْرَافٌ " انتهى من " الحاوي" (1/ 84) .
فهذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وهو الذي قبله العلماء وتناقلوه
، فمن قال منهم : إن أكمام قميص النبي صلى الله عليه وسلم كانت قصيرة ، فلم يرد
أنها كانت (نصف كم ) وإنما أراد أنها كانت إلى الرسغ ، لا أنها كانت أقصر من ذلك ،
ولا يعني هذا أن من لبس ثيابا ذات أكمام قصيرة (نصف كم) فهو مخالف للسنة ، فإن هذا
من سنن العادة ، يتبع الشخص فيها عادة أهل بلده ما دامت غير مخالفة للشرع .
وينظر لتمام الفائدة جواب السؤال رقم : (68815)
، (126692) .
والله تعالى أعلم .