لم يصح حديث ( متى ألقى أحبابي ).
من هم الغرباء الذين قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيهم بأنهم أحب إليه من صحابته ، وأشار إليهم بأنهم أحباؤه ، وفي أي وقت يكون ظهورهم ؟
الجواب
الحمد لله.
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن أحبابه من المسلمين في قابل
الأيام ، أو أنه يحب أحدا أكثر من حبه لصحابته الكرام رضوان الله عليهم .
وما ثبت إنما هو وصف أتباعه بأنهم " إخوانه " عليه الصلاة والسلام ، وذلك في حديث
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ ، فَقَالَ : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ
رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا .
قَالُوا : أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟
قَالَ : أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ .
فَقَالُوا : كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ
اللهِ ؟
فَقَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ
ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟
قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ .
قَالَ : فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ ، وَأَنَا
فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا
يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ . فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ
قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ : سُحْقًا ، سُحْقًا ) رواه مسلم (249) .
قال الإمام الباجي رحمه الله :
" ( أنتم أصحابي ) ليس نفيا لأخوتهم ، ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة ، فهؤلاء
إخوة صحابة ، والذين لم يأتوا إخوة ليسوا بصحابة ، كما قال الله تعالى ( إنما
المؤمنون إخوة )" .
انتهى نقلا عن " شرح النووي على مسلم " (3/138) .
وقال الزرقاني رحمه الله :
" دل بإثبات الأخوة لهؤلاء : على علو مرتبتهم ، وأنهم حازوا الآخرية ، كما حاز صلى
الله عليه وسلم وأصحابه فضيلة الأولية ، وهم الغرباء المشار إليهم بقوله : ( بدأ
الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء )، وهم القابضون على دينهم عند الفتن ،
المشار إليهم بقوله : ( القابض على دينه كالقابض على الجمر )، وهم المؤمنون بالغيب
" .
انتهى من " شرح الزرقاني على الموطأ " (1/149) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ( أنتم أصحابي ) يعني : فأنتم أخص منهم ، وهم الصحابة إخوان للرسول صلى الله عليه
وسلم وأصحاب له . أما من جاءوا بعدهم من المؤمنين فهم إخوانه وليسوا أصحابه " .
انتهى من " شرح رياض الصالحين " (5/ 17) .
والحاصل : أن هذا الحديث الشريف لا يعني تفضيل مَنْ بَعْدَ الصحابة عليهم ،
فالصحابة هم أيضا إخوانه عليه الصلاة والسلام ، جمعوا بين الحسنيين ، ولكنه صلى
الله عليه وسلم عدل عن تسميتهم بأنهم " إخوانه "؛ لأن وصف الصحبة أعلى مقاما وأرفع
درجة . ولا شك أن كل من آمن به وتبعه عليه الصلاة والسلام على دينه وسنته : دخل في
مفهوم هذا الحديث الشريف ، في أي زمان أو مكان ، سواء في آخر الزمان أم في هذه
الأيام وما قبلها من العصور .
وأما لفظ ( أحبابي ) فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَتَى أَلْقَى أَحْبَابِي ؟) ،
فَقَالَ أَصْحَابُهُ : بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا أَوَلَسْنَا أَحْبَابَكَ ؟ ،
فَقَالَ: ( أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، أَحْبَابِي قَوْمٌ لَمْ يَرُونِي وَآمَنُوا بِي ،
وَأَنَا إِلَيْهِمْ بِالأَشْوَاقِ لأَكْثَرَ ) " .
رواه أبو الشيخ الأصبهاني في " ثواب الأعمال "، كما في " كنز العمال " (14/52)،
والقشيري في " الرسالة " (2/457) ، والديلمي في " الفردوس " (4/148) .
قال القشيري : أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي ، قال : حدثنا أحمد بن عبيد البصري ،
قال : حدثنا يحيي بن محمد الجياني ، قال : حدثنا عثمان بن عبد الله القرشي ، عن
نعيم بن سالم ، عن أنس بن مالك به مرفوعا .
وهذا حديث مكذوب لا يصح ، فيه علتان :
العلة الأولى : نعيم بن سالم ، والصواب أن اسمه يغنم بن سالم ، كما قال الحافظ ابن
حجر في " لسان الميزان " (6/315) .
ويغنم هذا قال فيه العقيلي : " منكر الحديث " انتهى من "الضعفاء الكبير" (4/466) ،
وقال أبو حاتم : " مجهول ضعيف الحديث " انتهى من " الجرح والتعديل " (9/314) ، وقال
ابن حبان : " شيخ يضع الحديث على أنس بن مالك روى عنه بنسخة موضوعة ، لا يحل
الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه ، إلا على سبيل الاعتبار " انتهى من " المجروحين "
(3/145) ، وقال ابن عدي : " يروي عن أنس مناكير " انتهى من"الكامل " (9/178) .
العلة الثانية :
عثمان بن عبد الله الأموي ، القرشي ، الشامي ، قال فيه ابن عدي : " حدث عن مالك ،
وحماد بن سلمة ، وابن لهيعة وغيرهم بالمناكير ، يكنى أبا عمرو ، وكان يسكن نصيبين
ودار البلاد وحدث في كل موضع بالمناكير عن الثقات ... ولعثمان غير ما ذكرت من
الأحاديث أحاديث موضوعات" انتهى من " الكامل " (6/301-306) ، وقال فيه الذهبي : "
متهم واه " انتهى من" ديوان الضعفاء " (270) .
والخلاصة أن الحديث بلفظ ( أحبابي ) منكر لا يصح ، ويغني عنه ما ذكرناه آنفا من
الحديث الصحيح في " صحيح مسلم ".
وينظر جواب السؤال رقم : (89878) .
والله أعلم .