الحمد لله.
أولا: لا يجوز للولي - الأب أو غيره - أن يمنع موليته من الزواج من الكفء الذي رضيت
به . قال ابن قدامة رحمه الله : " ... فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره
من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلاً لها . فأما إن طلبت
التزويج بغير كُفئها : فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلاً لها " انتهى من " المغني
" (9/383) .
وإذا ثبت امتناع وليها من تزويجها من كفء رضيت به ، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده
من العصبة . فإن منعها أولياؤها كلهم بغير عذر شرعي : زوّجها السلطان مِنْ دونِهم .
وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم (197440).
ثانيا: تخفيف المهور وتيسيرها هو السنة ، وهو هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم
، كما سبق بيانه في الفتوى رقم (10525).
ثالثا: إذا اختلفت المرأة مع وليها في تحديد المهر ، فالذي يظهر من كلام أهل العلم
عند كلامهم عن مسألة مشابهة أنهم يعتبرون المرجع هو مهر المثل ؛ فإن رضيت هي بمهر
المثل ، وأراد هو الزيادة عليه : فلا يلتفت لقوله , وإن أراد هو مهر المثل ، وأرادت
هي أقل منه : كان المعتبر قوله .
فقد جاء في المدونة (2 / 153): " فإن كانت بكرا فقالت: قد رضيت ، وقال الولي: لا
أرضى - والفرض أقل من صداق مثلها -؟ قال: الرضا إلى الولي ، وليس إليها؛ لأن أمرها
ليس يجوز في نفسها. قال ابن القاسم: ولو كان الذي فرض الزوج لها هو صداق مثلها ،
فقالت: قد رضيت وقال الولي: لا أرضى ، كان القول قولها ، ولم يكن للولي ههنا قول"
انتهى .
وفي المقدمات الممهدات (1 / 475): "فإن فرض لها الزوج صداق مثلها فأكثر ، وأبى
الوالد أن يرضى بذلك : حكم له عليه السلطان بذلك ، وكان هو صداقها الذي يجب لها
نصفه بالطلاق ، وجميعه بالموت أو الدخول" انتهى.
والذي ينبغي على الولي أن ينظر في مصلحة المرأة ؛ فإن كان الزوج صاحب
دين وخلق ، ففي زواجه بالمرأة مصلحة كبيرة لها ، وهي تحصيل الزوج الصالح ، وتحصيل
الإعفاف ، فليس له أن يعترض على مثل ذلك ، أو يرده ؛ حتى وإن رضيت المرأة بأقل من
مهر المثل ؛ لأن مصلحة تحصيل الزوج الصالح لا تعدلها مصلحة المال ، ولا المبالغة في
المهور , خصوصا وأن هذا خلاف السنة كما سبق بيانه .
وفي ذلك يقول سحنون من علماء المالكية: "وقد قيل: إنها إذا رضيت بأقل من صداق مثلها
: أنه جائز؛ ألا ترى أن وليها لا يزوجها إلا برضاها؟ فإذا رضيت بصداق ، وإن كان أقل
من صداق مثلها: فعلى الولي أن يزوجها" انتهى من المدونة (2 / 153).
وفي القوانين الفقهية (1 / 136) : " إذا رضيت المرأة بدون صداق مثلها ، لم يكن
لأوليائها اعتراض عليها ؛ خلافا لأبي حنيفة" انتهى.
وعلى ذلك : فإن كان هذا الرجل الذي تقدم لك كفؤا في دينه وخلقه ، فلا يجوز لأبيك أن
يعترض على تزويجك منه , ولا يجوز له أن يبالغ في رفع المهر بقصد تنفيره وإبعاده عنك
, غاية ما يشرع له فعله على رأي بعض أهل العلم أن يطالبه بمهر المثل.
والنصيحة لك أن توسطي والدتك في ذلك ، أو يوسط هو بعض أهل الخير
والحكمة ، ليقنعوه بإتمام ذلك .
فإن أبى والدك ، فالذي ننصح به الزوج أن يحتمل مثل ذلك ، ما دام قد رضي بك ، ورضيت
به ما دام ذلك الذي طلب والدك زيادته : هو المؤخر ؛ ثم لك بعد ذلك أن تتنازلي له عن
الزيادة ، أو تتنازلي له عن المؤخر كله ، أو ترضيه بما يمكنك من مالك ؛ متى ركنت
إليه ، واطمأننت به ، وثبتت بينكما المودة والعشرة .
والله أعلم.