حكم من سب النبي عليه الصلاة والسلام من غير المسلمين ثم أسلم .
إذا سب أحد من غير المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم أسلم , فهل يسقط عنه القتل أم يقتل أيضا وإن أسلم ؟
واذا فعل أحد من المسلمين هذا الفعل - فإنه يكفر بذلك - ولم يصل الخبر إلى ولي الأمر , فما هي شروط توبته ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
إذا أسلم الكافر الأصلي , وكان قد سب النبي صلى الله عليه وسلم حال كفره , فإن
إسلامه يهدم ما قبله من الذنوب ، ويسقط عنه عقوبة القتل .
لكن إذا كان هذا الساب مسلما وارتد بهذا السب ، ثم تاب ورجع إلى الإسلام ، فقد
اختلف العلماء في سقوط القتل عنه ، والذي اختاره جماعة من العلماء المحققين كشيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يسقط القتل عنه ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم
: (150989) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا سب الرسول فإنه يكفر، سواء كان جاداً أو مازحاً أو مستهزئاً، فإنه يكفر لقول
الله تعالى: ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *
لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66] ولكن إذا تاب
تقبل توبته؛ لقوله تبارك وتعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]. ولكن هل يسقط
عنه القتل؟
الجواب على هذا: فيه تفصيل: إن كان الذي سب الرسول صلى الله عليه وسلم سبه وهو كافر
لم يسلم بعد فإنه لا يقتل؛ لعموم قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ
يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) . [الأنفال:38].
أما إذا كان الذي سب الرسول مسلماً وارتد بسبب سبه الرسول صلى الله عليه وسلم فإن
القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يقتل مع قبول توبته ؛ أخذاً
بالثأر للرسول صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: إنه قد وجد أناس سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل توبتهم ولم
يقتلهم. قلنا: نعم. هذا صحيح، لكن الحق في القتل لمن ؟ للرسول صلى الله عليه وسلم ،
وإذا عفا عنهم في حياته فالحق له ، إن شاء قتلهم وإن شاء لم يقتلهم ، لكن بعد موته
لا نستطيع معرفة إن كان الرسول سيعفو عنهم أم لا، فإذا كانوا مستحقين للقتل بسبهم
الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حق آدمي ، ولم نعلم أنه عفا عنهم ، فإن الواجب قتلهم
. ثم إن في قتلهم مصلحة وهو كف ألسنة غيرهم عن سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما
هم فقد قبل الله توبتهم إذا كانت توبتهم نصوحاً، وأمرهم إلى الله ، وإذا لم يقتلوا
اليوم ماتوا غداً، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة . ويرى بعض العلماء أنه إذا
تاب فلا تقبل توبته ويقتل كافراً، وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد ، قال في زاد
المستقنع : "ولا تقبل توبة من سب الله أو رسوله" ، ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن
الصواب: أن التوبة مقبولة متى صدرت على الوجه الصحيح ، لكن إن كان سب الله فإنه لا
يقتل ، وإن كان قد سب الرسول فإنه يقتل، ولعلكم تتعجبون فتقولون: أيهما أعظم: سب
الله ، أم سب الرسول صلى الله عليه وسلم؟! الجواب: سب الله أعظم بلا إشكال ، إذاً..
فلماذا إذا تاب من سب الله قبلنا توبته ولم نقتله ، وإذا تاب من سب الرسول قبلنا
توبته وقتلناه ؟ لأن من سب الله وتاب تاب الله عليه، وقد أخبر الله تعالى عن نفسه
أنه يسقط حقه فقال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] فنحن نعلم أن الله تعالى قد عفا
عنه بتوبته من سب الله ، أما من سب الرسول فلا نعلم أن الرسول عفا عنه ، وحينئذٍ
يتعين قتله . هذا وجه الفرق بينهما. وذهب بعض العلماء: إلى أن من سب الله أو رسوله
ثم تاب قبلت توبته ولم يقتل، فصارت الأقوال في المسألة ثلاثة، أرجحها أن توبته تقبل
ويقتل" انتهى من " لقاءات الباب المفتوح " (53/6) .
لكن ينبغي أن يُعلم أن هذا القتل - عند من قال به - هو من باب الحد ، والحد مسئولية
الإمام ، أي يجب على الإمام المسلم أن يقيم الحد على الساب ، إذا رُفع أمره إليه .
وأما الساب : فإذا ستره الله تعالى ، ولم يُرفع أمره للقضاء ، فالمشروع له أن يستر
نفسه ، ويجتهد في التوبة والاستغفار والإكثار من الأعمال الصالحة ، والثناء
والتعظيم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، رجاء أن يعفو الله عنه ، ويُرضي
عنه نبيه يوم القيامة .
قال الله تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/ 82 .
وقال تعالى : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) النحل/119 .
وقد روى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا
إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
ينظر جواب السؤال رقم : (180128) .
والله أعلم .