حكم الإقامة في الفنادق التي توجد بها منكرات
لو سافرت بعائلتي لبلدة لأسكن في فندق فيها من باب الاستجمام والترويح ، وهذا الفندق لم أر فيه خمور، إلا أنهم يضعون موسيقى في صالة استقبال الفندق ، وفي صالة الاستقبال كذلك آلة طرب ، وعلمت في زيارتي الأخيرة أن عندهم قاعات للأعراس وأعياد الميلاد ، ما حكم إقامتي في هذا الفندق ، وهل سفري للسكن فيه ولمراجعة طبيب يعد سفر معصية لا يحل لي فيه الترخص برخصة السفر؟
الجواب
الحمد لله.
الموسيقى وآلات الطرب من المنكرات ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (5000)
، ووجود الموسيقى وقاعات الاحتفالات التي يرتكب فيها المعاصي في مكانٍ ما : منكر
يجب إنكاره ، وأقل درجات إنكار المنكر هو الإنكار بالقلب ، والإنكار بالقلب عمل
يشمل بغض المنكر في الباطن ومفارقة أهله في الظاهر وعدم مجالستهم أو الاجتماع معهم
، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (111959)
.
وعلى هذا ؛ فإن كنت تريد السفر للترفيه والنزهة فعليك أن تختار لإقامتك الفنادق
التي تخلو من هذه المنكرات ، فإن لم تجد غيرها وكان يمكنك الإقامة في هذا الفندق مع
تجنب هذه الأماكن بحيث لا ترى هذه المنكرات ولا تستمع إليها فيظهر في هذه الحالة
جواز ذلك ؛ أخذا مما ذكره أهل العلم رحمهم الله تعالى من جواز حضور الولائم التي
بها منكرات إذا كان الشخص لا يسمع المنكر ولا يراه ، جاء في " المحرر في الفقه على
مذهب الإمام أحمد بن حنبل " (2 / 40): " وإذا علم في الدعوة منكرا كالخمر والزمر
وأمكنه الإنكار حضر وأنكر ، وإلا فلا يحضر ولو حضر فشاهد منكرا أزاله إن قدر وجلس ،
وإلا انصرف ، وإن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس" انتهى .
وفي " شرح منتهى الإرادات " (3 / 35) : " وَإِنْ عَلِمَ بِهِ أَيْ: الْمُنْكَرِ ،
وَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ أُبِيحَ الْجُلُوسُ ، وَالْأَكْلُ . نص عليه
الإمام أحمد; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْكَارُ إذَنْ ، وَلَهُ الِانْصِرَافُ
، فَيُخَيَّر" انتهى.
والورع ترك الإقامة حتى إذا لم ير المنكر ولم يشاهده .
أما إذا وجدت ضرورة أو حاجة كالتي ذكرتها في سؤالك ، من مراجعة طبيب ونحوه ، ولم
توجد إلا هذه الفنادق التي بها هذه المنكرات ، فهنا يجوز لك أن تقيم فيها بشرط أن
تبتعد عن أماكن هذه المنكرات قدر الوسع والطاقة .
فقد نص أهل العلم أن شهود المنكر المنهي عنه هو الشهود لغير حاجة ، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (28 / 203): " الْهَجْرُ الشَّرْعِيُّ
نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى التَّرْكِ لِلْمُنْكَرَاتِ ، وَالثَّانِي
بِمَعْنَى الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا ، فَالْأَوَّلُ : هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله
تَعَالَى : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ
عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ
الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
وقَوْله تَعَالَى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا
سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا
مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ) ،
فَهَذَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ الْمُنْكَرَاتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ،
مِثْلَ قَوْمٍ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ يَجْلِسُ عِنْدَهُمْ ، وَقَوْمٌ دُعُوا إلَى
وَلِيمَةٍ فِيهَا خَمْرٌ وَزَمْرٌ : لَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُمْ . وَأَمْثَالَ
ذَلِكَ. بِخِلَافِ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُمْ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ أَوْ حَضَرَ
بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ " انتهى .
مع التنبيه على أن سفر المعصية الذي يمنع الترخص : هو ما كانت المعصية فيه بالسفر ،
أي كان القصد من السفر هو فعل المعصية ، أما من سافر لغرض مشروع ، وفعل أثناء السفر
بعض المعاصي ، فهذا لا يُمنَع من الترخص .
جاء في " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " (2 / 265): " الْعَاصِي في سفره هُوَ
مَنْ يَقْصِدُ سَفَرًا مُبَاحًا ، فَتَعْرِضُ لَهُ فِيهِ مَعْصِيَةٌ ،
فَيَرْتَكِبُهَا : فَلَهُ التَّرَخُّصُ " انتهى.
والله أعلم.