الحمد لله.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن
قوله : (فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا) يدل على أنهما
أولى من غيرهما في التعوذ من الجان وعين الإنسان خاصة ، لا في مطلق الاستعاذة .
قال الشوكاني رحمه الله :
" فِي الحَدِيث دَلِيل على أن الِاسْتِعَاذَة بِهَاتَيْنِ السورتين : أولى من
الِاسْتِعَاذَة بِغَيْرِهِمَا، لَكِن لَا فِي مُطلق الِاسْتِعَاذَة ، بل فِي
التَّعَوُّذ من الجان وَعين الْإِنْسَان " .
انتهى من"تحفة الذاكرين" (ص 415) .
ومما يدل أيضا على أنه صلى
الله عليه وسلم لم يترك الاستعاذات الشرعية ، اكتفاء بالمعوذتين : كونه صلى الله
عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين بغيرهما.
فروى البخاري (3371) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ
وَيَقُولُ : ( إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ :
أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ،
وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ ) ".
وقد قال غير واحد من أهل العلم : إن سورة الفلق – وكذا الناس – نزلتا بمكة .
قال القرطبي رحمه الله :
" سورة " الفلق" مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ
وَجَابِرٍ. وَمَدَنِيَّةٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ " انتهى
من"تفسير القرطبي" (20/ 251) .
وقال ابن عاشور رحمه الله :
" اخْتُلِفَ فِيهَا أَمَكِّيَّةٌ هِيَ أَمْ مَدَنِيَّةٌ ، فَقَالَ جَابِرُ بْنُ
زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ:
مَكِّيَّةٌ، وَرَوَاهُ كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ
مَدَنِيَّةٌ، وَرَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ ، لِأَنَّ رِوَايَةَ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ مَقْبُولَةٌ ، بِخِلَافِ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "
انتهى من "التحرير والتنوير" (30/ 624) .
وانظر: "زاد المسير" (4/ 510) ، "فتح القدير" (5/642) .
فعلى القول بأنها مكية يكون
النبي صلى الله عليه وسلم قد عوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما بغير المعوذتين بعد
نزولهما ، فإنهما ولدا بالمدينة ، ولد الحسن سنة ثلاث من الهجرة ، وولد الحسين سنة
أربع .
انظر : "سير أعلام النبلاء" (4/ 326) ، "الإصابة" (2/ 60) ، (2/68) ، "تهذيب
التهذيب" (2/ 345) .