الحمد لله.
فعلم الإنسان بعظمة الله
تعالى وبذنوبه وتقصيره في حق الله يوجب له الخوف من الله ، من غير أن يصل إلى اليأس
من رحمة الله .
وعلمه بسعة فضل الله وعفوه وكرمه ورحمته يوجب له رجاء أن يكون من أهل تلك الرحمة
الواسعة ، من غير أن يصل إلى الأمن من مكر الله .
وبهذا يعتدل سير المسلم إلى الدار الآخرة ، فيجمع بين الخوف والرجاء ، ويجتنب اليأس
من رحمه الله ، والأمن من مكره .
فبرجاء رحمة الله يعبد المسلم ربه ويطيعه ويعمل الصالحات ، وبالخوف منه يترك معصيته
.
وقد رغب الله تعالى عباده في رحمته وفضله ورهبهم وخوفهم من عذابه .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ
، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ
مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ) رواه مسلم (2755) .
ويجمع المؤمن مع ذلك أيضا (الخوف والرجاء) محبةَ لله تعالى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولهذا قال بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده
فهو حروري [ الحرورية : هم الخوارج ] ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء ، ومن عبده
بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن .
والمقصود : أن تجريد الحب والذكر عن الخوف يوقع في هذه المعاطب ؛ فإذا اقترن الخوف
جمعه على الطريق ورده إليها ، كلما كَلَّها شيء [أي : أتعبها] ، كالخائف الذى معه
سوط يضرب به مطيته لئلا تخرج عن الطريق ، والرجاء حاد يحدوها ، يطلب لها السير ،
والحب قائدها وزمامها الذى يشوقها ؛ فإذا لم يكن للمطية سوط ولا عصا يردها إذا حادت
عن الطريق : خرجت عن الطريق ، وضلت عنها .
فما حفظت حدود الله ومحارمه ، ووصل الواصلون إليه بمثل خوفه ورجائه ومحبته ؛ فمتى
خلا القلب من هذه الثلاث : فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا . ومتى ضعف فيه شيء من
هذه: ضعف إيمانه بحسبه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/21) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه
الله :
" الواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل ، بل يكون بين
الرجاء والخوف يخاف الله ، ويحذر المعاصي ، ويسارع في التوبة ، ويسأل الله العفو،
ولا يأمن من مكر الله ويقيم على المعاصي ويتساهل ؛ ولكن يحذر معاصي الله ، ويخافه
ولا يأمن ، بل يكون بين الخوف والرجاء " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (4/ 38)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن غلب عليه الرجاء ؛ وقع في الأمن من مكر الله ، وإن غلب عليه الخوف ؛ وقع
القنوط من رحمة الله ، وكلاهما من كبائر الذنوب " .
انتهى من " لقاء الباب المفتوح" (11/ 7) بترقيم الشاملة .
فاحذر من الشيطان فإنه يريد أن يوقعك في اليأس من رحمة الله لتترك عبادة الله ،
وبهذا تكون قد أطعت الشيطان ووقعت في شباكه .
وهذا الحديث الذي سألت عنه قد رغبنا الرسول صلى الله عليه وسلم وبشرنا في آخره كما
خوَّفنا في أوله ، ليكون ذلك دافعا لنا إلى الاجتهاد في طاعة الله وإحسان الظن به ،
والابتعاد عن معصيته ، وبهذا ينتفع الإنسان بالموعظة التي يسمعها .
قال ابن القيم رحمه الله :
" الِانْتِفَاعُ بِالْعِظَةِ [الموعظة] : هُوَ أَنْ يَقْدَحَ فِي الْقَلْبِ قَادِحُ
الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ، فَيَتَحَرَّكَ لِلْعَمَلِ ، طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنَ
الْخَوْفِ ، وَرَغْبَةً فِي حُصُولِ الْمَرْجُوِّ.
وَالْعِظَةُ هِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، الْمَقْرُونُ بِالتَّرْغِيبِ
وَالتَّرْهِيبِ " انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 442) .
نسأل الله تعالى أن ييسرنا لليسرى وأن يجنبنا العسرى .
والله أعلم .