الحمد لله.
ثانيا :
هذه الزيادة وإن كانت ممنوعة بالاتفاق ؛ إلا أنها لا تَبْطُل بها الطهارة ، لأن
الوضوء وقع صحيحا تاما بالثلاث ، والزيادة : وقعت مردودة ، لا تبطله .
قال النووي رحمه الله :
" إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَلَا يَبْطُلُ
وُضُوءُهُ ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ
الْعُلَمَاءِ كَافَّةً ، وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ قَوْمٍ
أَنَّهُ يَبْطُلُ كَمَا لَوْ زَادَ فِي الصَّلَاةِ ، وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ "
انتهى من " المجموع" (1/ 440).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ .
وَحَكَى الدَّارِمِيُّ مِنْهُمْ عَنْ قَوْمٍ : أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ
تُبْطِلُ الْوُضُوءَ ، كَالزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ ؛ وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ "
انتهى من " فتح الباري" (1/234).
وقال الشيخ ابن قاسم رحمه الله :
" وقال غير واحد ، إذا زاد على الثلاث فقد ارتكب المكروه ، ولا يبطل وضوؤه إجماعا "
.
انتهى من "حاشية الروض المربع" (1/175).
أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ
فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري (2697) ، ومسلم(1718) .
فالمردود هنا هو ما أحدث ، وهي الغسلة الرابعة ، وبيان ذلك أن غسل العضو ثلاثا هو
السنة فهو من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن زاد الغسلة الرابعة زاد على السنة
، فهي زيادة مردودة ، فيصح الوضوء بالغسلات الثلاث ، وترد الرابعة فلا تكون من
الوضوء المشروع .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لو تعبد شخص لله عزّ وجل بقدر زائد على الشريعة لم يقبل منه، ومثال ذلك: رجل توضأ
أربع مرات أي غسل كل عضو أربع مرات ، فالرابعة لا تقبل، لأنها زائدة على ما جاءت به
الشريعة ، بل قد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً وقال : (
مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ ) " انتهى من "شرح
الأربعين النووية" (ص99) .
ثالثا :
من زاد الرابعة متعمدا فهذا الذي قد فعل المكروه والمذموم ، أما من زاد الرابعة
ناسيا أو شاكا ، أو جاهلا : فلا شيء عليه ، وقد سبق في كلام النووي رحمه الله
التفريق بين المتعمد وغيره .
أما الموسوس فهو أقرب إلى العذر لأنه يفعل تلك الزيادة وهو كالمغلوب على عقله ورأيه
، غير أن الواجب عليه أن يدافع تلك الوسوسة بقدر ما يستطيع ولا يستسلم لها .
قال ابن القيم رحمه الله :
" لا ريب أن الشيطان هو الداعى إلى الوسواس : فأهله قد أطاعوا الشيطان ، ولبوا
دعوته ، واتبعوا أمره ورغبوا عن اتباع سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
وطريقته، حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم،
أو اغتسل كاغتساله، لم يطهر ولم يرتفع حدثه، ولولا العذر بالجهل لكان هذا مشاقة
للرسول ، فقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع ،
والموسوس يرى أن ذلك القدر لا يكفيه لغسل يديه ، وصح عنه عليه السلام أنه توضأ مرة
مرة ، ولم يزد على ثلاث، بل أخبر أن: (مَنْ زَادَ عَلَيْهَا فَقَدْ أَسَاءَ
وَتَعَدَّى وَظَلَمَ).
فالموسوس مسيء متعد ظالم بشهادة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فكيف
يتقرب إلى الله بما هو مسيء به متعدّ فيه لحدوده ؟ " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/
127) .
والله تعالى أعلم .